في مقالتين متواليتين نُشرتا في صحيفة (القدس العربيّ) اللندنية: "المكتمل واللا مكتمل في قصيدة النثر" 2005 و"قصيدة النثر المحلية" 2005-2006، كنا نساجل هذه الموجة العربية العاتية، السهلة، في التهليل لقصيدة النثر وحدها، من دون موقف مُسْبَق من طرفنا ضد أيّ شكل شعريّ معاصرٍ قادر على بثّ الشعر الصافي. وقد أضفنا الصفتين (المحلية) و(العربية) مُلمِّحين بذلك إلى إشكالاتٍ مخصوصة بثقافتنا عندما تتلاقُف الأشكال والموجات الأدبية. وكنا من الرافضين للقواعد النهائية الأربع لقصيدة النثر (المدى الثقافي تحت عنوان: هل ثمة قواعد نهائية في كتابة قصيدة نثر؟، 2006)، المستلهَمة من سوزان برنارد، وفيها ملاحظات بشأن الشعر والشعرية والنثر، مشدِّدين على أن كِتابها الشهير ليس نصاً مقدّساً (طروحات أخرى مُعارِضة لقصيدة النثر المحلية: شعر وتواريخ، في المدى، بثلاثة أجزاء، الأول بتاريخ 24 / 07 / 2006).
هذا الموقف وجد بعض الاعتراضات من المتحمّسين في الوسط الثقافيّ، أو التهميش، وأحياناً الاستخدام مداوَرةً.
الآن، من أجل إنجاز كتاب عن "روّاد قصيدة النثر في العراق" كتبنا للشاعر صلاح فائق، لعلّه يقدّم لنا شهادته لصالح العمل، كما فعل فاضل العزاوي قبل ذلك. ردّ فائق مشكوراً بملاحظات مهمّة أعادتنا في الحقيقة للمساءلة السابقة المذكورة، قائلاً:
"عليّ أن أخبركَ باني لستُ شاعر قصيدة النثر. أنا شاعر، هذا كل ما هناك، كما يقال. منذ بدايتي اعتبرت أن عدم استخدامي للبحور والتفاعيل لا يعني باني أكتب قصيدة النثر، وإنما أكتب نصاً أو كتابة. قصيدة النثر الآن مؤسسة عربية، لها مؤتمراتها ومنظّموها ومنظّروها، كما لها قوانينها وروّادها وتوابعهم، إلى جانب أن لها الآن تاريخاً طويلاً من التقاليد والمرشدين.. أنا لست في كل هذا، ولا أريد. لم أكتب أبداً تنظيراً حول هذه القصيدة ولم أدع بأني من شعرائها.." ( رسالة مؤرَّخة بـ 30-05-2013).
ولا يمكن سوى الاتفاق مع صلاح فائق بأن الشاعرَ شاعرٌ فحسب وأن لقصيدة النثر اليوم مؤسساتها و"مرشديها" الروحيين كما يقول ببراعة. لكن السؤال يظلّ مطروحاً على المستوى الاصطلاحي، وليس الشعريّ المحض: ماذا نسمّي هذا الشعر الذي لا يتقيّد بوزنٍ ولا قافية؟.
أمرٌ من اثنين: إما أننا ما زلنا أمام ضرورة استخدام مصطلح "قصيدة النثر" حتى بالكثير من التحفّظ القادم من جميع الأسباب الممكنة، أو أننا نخترع بديلاً عنه، يُرْشِدنا إلى أننا أمام (شعر)، فلنقل، أمام شعر حقيقيّ، لا يلتزم بالقيود المعروفة. بديلٌ اصطلاحي دقيق يتمسّك ويشير إلى الخصوصية الشكلية لهذه الممارسة الإبداعية، طالما أن الملتزِم بالقيود وغير الملتزِم بها يمكن أن يَدْخل في سياق (الشعر الحقيقيّ) المفترَض.
من الناحية الدراسية والمنهجية والتواصل المعرفيّ، فإن الحاجة ما زالت، في ظننا، قائمة لمصطلح "قصيدة النثر". جميع الاعتراضات المثارة تتعلق، في الحقيقة، بالخفة والآنيّة والركاكة، ثم بالتجمْهُر الحماسيّ وراء مصطلحات أدبية يماثل احتشاد الجمهور العربيّ أحياناً وراء شعارات سياسية أو نقابية.
"قصيدة النثر" ليست شعاراً شعبياً للحداثة، كما يُوحي الاستخدام الواسع للمصطلح حالياً، بل هي من بين ضروب الشعر الحديث الأصعب والأعمق، ولعل نصّ صلاح فائق نفسه يبرهن على ذلك.
"قصيدة النثر" ليست شعاراً شعبياً للحداثة
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...