TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "قصيدة النثر" ليست شعاراً شعبياً للحداثة

"قصيدة النثر" ليست شعاراً شعبياً للحداثة

نشر في: 7 يونيو, 2013: 10:01 م

في مقالتين متواليتين نُشرتا في صحيفة (القدس العربيّ) اللندنية: "المكتمل واللا مكتمل في قصيدة النثر" 2005 و"قصيدة النثر المحلية" 2005-2006، كنا نساجل هذه الموجة العربية العاتية، السهلة، في التهليل لقصيدة النثر وحدها، من دون موقف مُسْبَق من طرفنا ضد أيّ شكل شعريّ معاصرٍ قادر على بثّ الشعر الصافي. وقد أضفنا الصفتين (المحلية) و(العربية) مُلمِّحين بذلك إلى إشكالاتٍ مخصوصة بثقافتنا عندما تتلاقُف الأشكال والموجات الأدبية. وكنا من الرافضين للقواعد النهائية الأربع لقصيدة النثر (المدى الثقافي تحت عنوان: هل ثمة قواعد نهائية في كتابة قصيدة نثر؟، 2006)، المستلهَمة من سوزان برنارد، وفيها ملاحظات بشأن الشعر والشعرية والنثر، مشدِّدين على أن كِتابها الشهير ليس نصاً مقدّساً (طروحات أخرى مُعارِضة لقصيدة النثر المحلية: شعر وتواريخ، في المدى، بثلاثة أجزاء، الأول بتاريخ 24 / 07 / 2006).
هذا الموقف وجد بعض الاعتراضات من المتحمّسين في الوسط الثقافيّ، أو التهميش، وأحياناً الاستخدام مداوَرةً.
الآن، من أجل إنجاز كتاب عن "روّاد قصيدة النثر في العراق" كتبنا للشاعر صلاح فائق، لعلّه يقدّم لنا شهادته لصالح العمل، كما فعل فاضل العزاوي قبل ذلك. ردّ فائق مشكوراً بملاحظات مهمّة أعادتنا في الحقيقة للمساءلة السابقة المذكورة، قائلاً:
"عليّ أن أخبركَ باني لستُ شاعر قصيدة النثر. أنا شاعر، هذا كل ما هناك، كما يقال. منذ بدايتي اعتبرت أن عدم استخدامي للبحور والتفاعيل لا يعني باني أكتب قصيدة النثر، وإنما أكتب نصاً أو كتابة. قصيدة النثر الآن مؤسسة عربية، لها مؤتمراتها ومنظّموها ومنظّروها، كما لها قوانينها وروّادها وتوابعهم، إلى جانب أن لها الآن تاريخاً طويلاً من التقاليد والمرشدين.. أنا لست في كل هذا، ولا أريد. لم أكتب أبداً تنظيراً حول هذه القصيدة ولم أدع بأني من شعرائها.." ( رسالة مؤرَّخة بـ 30-05-2013).
ولا يمكن سوى الاتفاق مع صلاح فائق بأن الشاعرَ شاعرٌ فحسب وأن لقصيدة النثر اليوم مؤسساتها و"مرشديها" الروحيين كما يقول ببراعة. لكن السؤال يظلّ مطروحاً على المستوى الاصطلاحي، وليس الشعريّ المحض: ماذا نسمّي هذا الشعر الذي لا يتقيّد بوزنٍ ولا قافية؟.
أمرٌ من اثنين: إما أننا ما زلنا أمام ضرورة استخدام مصطلح "قصيدة النثر" حتى بالكثير من التحفّظ القادم من جميع الأسباب الممكنة، أو أننا نخترع بديلاً عنه، يُرْشِدنا إلى أننا أمام (شعر)، فلنقل، أمام شعر حقيقيّ، لا يلتزم بالقيود المعروفة. بديلٌ اصطلاحي دقيق يتمسّك ويشير إلى الخصوصية الشكلية لهذه الممارسة الإبداعية، طالما أن الملتزِم بالقيود وغير الملتزِم بها يمكن أن يَدْخل في سياق (الشعر الحقيقيّ) المفترَض.
من الناحية الدراسية والمنهجية والتواصل المعرفيّ، فإن الحاجة ما زالت، في ظننا، قائمة لمصطلح "قصيدة النثر". جميع الاعتراضات المثارة تتعلق، في الحقيقة، بالخفة والآنيّة والركاكة، ثم بالتجمْهُر الحماسيّ وراء مصطلحات أدبية يماثل احتشاد الجمهور العربيّ أحياناً وراء شعارات سياسية أو نقابية.
"قصيدة النثر" ليست شعاراً شعبياً للحداثة، كما يُوحي الاستخدام الواسع للمصطلح حالياً، بل هي من بين ضروب الشعر الحديث الأصعب والأعمق، ولعل نصّ صلاح فائق نفسه يبرهن على ذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram