اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قصيدة النثر النسويّة: التصوّف الإيروتيكيّ!

قصيدة النثر النسويّة: التصوّف الإيروتيكيّ!

نشر في: 21 يونيو, 2013: 10:01 م

في قصيدة النثر النسوية العربية، القصيرة خاصةً، قرأنا مراراً وتكراراً في الخمس سنوات الأخيرة صيغاً من قبيل: "ردّني إليّ" "أسرقُني منكَ أحيانا ً كثيرة" "لا شيء في جسدي سوى أنا وحدي" "مللتُ مني إليّ" "أعود مني إليّ" "لا أريد منكَ سوى ما ليس عندي" "أمشي وأرسمُني [أي أرسمُ نفسي]" " لمن أشكوكَ منكَ إليكَ" "أغرق في كأس نبيذ يغرق بي" "خذني من جسدي إلى جسدي" "أنقذُني [أي أنا أنقذ نفسي] مني" أكتبُني [أي أنا أكتب نفسي] فيكَ" "أنتظر التي بي، كي تحضر وتساندني" "ضقتُ بي" "تأخذني في سفري حافية منّي لتلاقيك" "لِـصٌ أنتَ، سَرقتني مني".
في البدء، لا ننوي عبر هذه الأمثلة، والمئات غيرها، تقديم نقد سلبيّ، ولا تدبيج مديح ولا ذمّ، قدر ما نودّ التمثيل لظاهرة لغوية وتخييلية محورها الذهاب والإياب في (الأنا) المعتزلة المنتشية، وحدها، أو البقاء حول أناها العاشقة مع منح دور طفيف لعاشق افتراضيّ. هنا مقطعان كاملان للتدليل على ذلك، الأول للمغربية ريحانة بشير:
"هذا الكثير منك يفرغني
يحوّلني إليك
كأنك تقتلني بك لأكونكَ"
والثاني للتونسية وفاء بالطيب:
"تُلقيني إليّ .. أرضاً
أتشظّى وحدي
أُلملمني وحدي
أبكيني وحدي"
إنه احتفاء باذخ (وهذه مفردة تتكرّر دون مللٍ لسبب ودونه في هذه النصوص) بالذات والدوران حولها والاكتفاء بها. لقد انطفأت قليلاً اليوم هذه الموجة التي تقدّم مفارَقة، جوهرها قليل الإقناع، خلافاً للمفارقات الوجودية الكبيرة.
منذ البدء نعرف أن أصول هذه الصيغ ضاربة في اللغة الصوفية، خاصة في أشعار ونثر الحلاج. الجميع يتذكر: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا - نحن روحان حللنا بدنا" على سبيل المثال. كان الحلاج من بين آخرين يستهدف فكرة وحدة الوجود والتماهي بين موجوداته، حتى لو استخدم أقنعة ورموزاً واستعارات حسية، جسدية وخمرية للتعبير عن شطحه الأعلى. بينما تُستعاد هذه الصيغ في الشعر النسويّ العربيّ، قصير النفس، لهدف محض حسيّ، بل إيروتيكيّ صريح: " تُلقيني إليّ .. أرضاً ". هواجس هذا الشعر ووساوسه من طبيعة جنسية، بينما يريد إقناعنا من دون سبب ظاهر، وفقط عبر صيغة قديمة معروفة، بأنّه يتخطي الجسديّ المباشر، بل (الفعل المباشر) إلى (شطح روحانيّ). هذا الأمر ممكن في تقديرنا مع توفر الممهدات المفهومية والنظرية العميقة التي لم تقدّمها بعد هاته الشاعرات الكريمات. أضفْ لذلك أن هذه الوساوس الأيروتيكية تبدو مخلوطة، في حالات عدة تقولها النصوص نفسها، بمشاكل القمع الاجتماعيّ والعزلة المفروضة التي ليست خياراً شخصياً.
الكثير من هذا الشعر منشور في دواوين شعرية، والآخر على النيت، وكله يبدو وكأنه رسائل برقية وجدانية بين أصدقاء لأغراض التواصل الآني السريع، لكي لا نقول الاستهلاك الثقافي عَبْر نيّة الكتابة الشعرية. ويمكن مرة أخرى أن يمتلك، حتى بهذا الوضع، بعضاً من الشعر الرفيع أو كله، لو لا أنه يستعيض عن تعقيد الاستعارة بسواها، ويتخلى عن عملية التخييل وشُغل المخيلة وحياكة المجاز وهول المعنى، لصالح صيغ مشكوك بفصاحة بعضها "أنقذُني [أي أنا أنقذ نفسي] مني". صيغ يمكن النسج على منوالها إلى ما لانهاية. إنه يفرّط بالشعر في نهاية المطاف.
أول علائم هذا التفريط واقع في العلة الأصلية: أنه يستثمر لغة التصوّف لغرض شهوانيّ مناقض تماماً للتصوّف، ويسعى لتمرير هذه (الحيلة اللطيفة) على قرائه، وثانيها: أنه لا يمنح حتى للجسديّ الحسيّ الذي يُشْغِله ويشغل بعض قرائه ويشغلنا، ما يستحقه من الصياغة الشعرية المُتقنَة، المُعالَجة بما يليق بالموضوع نفسه. كلٌّ حسب رؤيته ولغته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram