اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كيف نفرّق بين (الحاجيّة) و(الشيء)، في الفنون الجميلة؟

كيف نفرّق بين (الحاجيّة) و(الشيء)، في الفنون الجميلة؟

نشر في: 31 مارس, 2017: 09:01 م

(2-2)
قلنا إن هناك مشكلة اصطلاحية في التفريق بين (الحاجيّة) و(الشيء). وألمحنا أن المشكلة لا تمسّ فقط صعوبة ترجمة المفردتين الأوربيتين، إنما تقع في التباس الإحالات واضطراب المعنى.
في الجذر اللاتينيّ، الشيء يعني (القضية، المسألة) على وجه الإطلاق: أية مسألة وأيّ قضية وفي معجم لاروس يستخدم الشيء اليوم للدلالة على حاجيّة ملموسة في التعارُض مع كائن حي، فالطاولة والكتاب من الأشياء. وهو يعني كياناً مجرّداً، إجراءً، حدثاً، بياناً. ويعني الوضعية الحقيقية والأحداث والظروف (بالجمع). ويعني الشيءُ حاجيةً أو كياناً لكن في مقابل الاسم: كما في قولنا (الكلمة والشيء الذي تُعَيّنُه). وفي الفلسفة يعني الشيءُ كلّ ما يمكن أن يُوجد، وكل ما يُفَكَّر به.
لكن المقارَنة مع معنى (الشيء) في العربية، لا تقود إلى مناطق التفكير نفسها بالضرورة. ففي لسان العرب ثمة ارتباط غامض بين الشيء والـمَشِيئةُ، الإِرادة، والاسم الشِّيئةُ، والشَّيءُ: معلوم، وهو يَقَعُ على كل ما أُخْبِرُ عنه. وفي المعاجم الجديدة الشيءُ هو الموجودُ، والشيءُ هو ما يتصوَّر ويُخْبر عنه، والشيءُ اسم لأيّ موجود ثابت متحقّق يصحّ أن يُتصوَّر ويُخبر عنه سواءَ أكان حسِّيّاً أم معنويًاً ( يُطلق على المذكَّر والمؤنَّث). وعند المناطقة الشيء قد يُقال على كلّ ما له ماهيّة ما (Quiddité) كيف كان، فإنّا إذا قلنا «هذا شي‏ءٌ» فإنّا نعني به ما له ماهيّة ما. ويكون الشيء أعمّ من الموجود، ويُقال على كثير مما يُقال عليه الموجود وعلى أمور لا يقال عليها الموجود… إلخ.
ما يَشفّ عن ذلك، أن (الشيء) في العربية هو الموجود والمعلوم. وهي فكرة تتطابق قليلاً مع فكرة الشيء الأوربية، وتختلف عنها قليلاً. ونعتقد أن جوهر الاختلاف يقع في (التنكير) و(التعريف) بالمقارنة مع (الحاجيّة)، فالثانية هي الشيء المُعرَّفُ، المعروفُ، ذو التسمية، والأولى (الشيء) هو الموجود النكرة. وهذا ليس بواضحٍ في الاستخدام العربيّ. من هنا تَبادُل الاستخدام العربيّ بين (الشيء) و(الحاجيّة)، بل أن (الشيء) في العربية يُستخدم غالباً للتعبير عن (الحاجيّة objet) التي هي مفردة مُسْتحدَثة لا وجود لها في لسان العرب، وبدلاً منها نجد (الحاجة): المأربة. الحاجُ جمعُ الحاجَةِ، وكذلك الحوائج والحاجات، وتَحَوَّجَ إِلى الشيء أي احتاج إِليه وأَراده. والحَاجَةُ  هي الحائجة؛ ما يفتقر إليه الإنسانُ ويطلبه. وهي تعبير عن الضروريّ مثل قضَى حاجَته، لا حاجةَ لي به، والحاجَة في القرآن هي الحَزَازَة والحَسَد. ولعلنا لن نلتقي بمفهوم الحاجة (objet) الأوربيّ. لذا نفضّل استخدام مفردة (الحاجيّة) التي تقع في دلالة (الغَرَض) المقترحة سابقاً لترجمة المفردة (objet). يُحدّد الانكلو- سكسونيون (الحاجيّة) منذ البدء بأنها "كل ما هو مرئيّ أو ملموس وله شكل مستقرّ نسبياً" مُضيِّقِينَ على المفهوم بإضافة الشكل المستقرّ. وهذا التضييق هو ما نحتاجه نحن في مصطلحات الفنون الجميلة، إضافة إلى الاختلافات الأخرى المذكورة. في الفن نتحدث عن (حاجيّة فنية)، وليس (شيئاً فنياً). لكن تناوُب استخدام المفردتين متواتر في غير الحقل الفنيّ، بل القاعدة. يقع السبب في المشكل الذي نحاول التأمّل فيه.
قد لا يوافق بعضنا على (الحاجيّة) للتعبير في الحقل الفني. وهنا لدينا مقترح (الحائجة) و(الحائجة الفنية) التي قد تَستبعِد فكرة الضرورة والاحتياج اللصيقين بمفردة الحاجة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram