اليوم نقرأ معالجات حديثة، بل "حداثوية" وأخرى تتابع الدُرْجَة الاصطلاحية والشبابية، وهي تتناول التراث الإسلاميّ، في كلّ مكان، لا سيما في وسائط التواصُل الاجتماعيّ. فهل المنهجيات المستخدمة دقيقة، وكيف يمكن أن يُناقش هذا التراث؟ النقاط الواردة إدناه منهج عمل وليس عقيدة، وهي تخرج من الملاحظة والقراءة:أولاً: الباحثون والكتاب المنطلقون من أيديولوجيات ثابثة ونوايا تشويهية وقومانية (من هنا وهناك) لثقافة وتاريخ أمة وجمهور، هي مناقشة مريبة للتراث.ثانياً: يُقرأ التراث وفق النسبيات التاريخية والحضارية، والمقاربات الموضوعية. لا يمكنك مثلاً اتهام هذا التراث بأنه غير عادل بشأن حقوق المرأة (مُنطلِقاً من مبادئ النسوية الحالية) بينما لم تنشأ النسوية إلا في وقت متأخر. مثال آخر، لا يمكنك الانتقاص من الفن الإسلاميّ التشخيصيّ أنه لا يعرف المنظور، بينما المنظور في فن الرسم لم يُكتشَف إلا في عصر النهضة، نهاية القرن الرابع عشر الميلاديّ.ثالثاً: يُعالج التراث عبر الدرس المُقارَن للأساطير والخرافات والتديّن الجماهيريّ المشوب بالأوهام والسحر، وهي عناصر حضرتْ في تراث العالم قاطبة (المعاصر للتراث الإسلاميّ)، قبل النقد الحديث لها في الفكر المعاصر. ولم تكن حكراً على تراث بعينه. فلا يجوز عقلاً التشكيك بالحقيقة العميقة لشخصيات في التراث الإسلاميّ أو منحها طابعاً متضخّماً سلباً وإيجاباً، وطبيعة أسطورية، أو تشويهها، دون دليل قويّ، لا سيما وأنت تعرف أن الظاهرة المعالجة موجودة نفسها في تراث الثقافات الأخرى التى ذهبت أكثر من التراث الإسلاميّ حدّ اختراع سلالات أسطورية وملوكاً لا وجود لهم كالشعوب الإسكندنافية، وملكات لا براهين ملموسة على وجودهنّ كـ "الكاهنة" البربرية في ثقافة شمال أفريقيا.رابعا: يُعالَج بالمعرفة العميقة المدققة في علم التاريخ. فلا يكفي أن "يجيء في بالك" مناقشة النبي محمد أو مسيلمة الكذاب كيفما اتفق، من دون مراجع معترف بها، لتنطلق بما تقرر أنه بداهة وحقيقة تاريخية نهائية. قراءة التراث ليست قراءة تأملية وميتافيزيقية.خامساً: لا يمكن الحديث عن التاريخ (دون همزة على الألف) بلا تأريخ (بهمز الألف)، أعني دون تواريخ دقيقة، وذلك لوضع الأمور في سياقاتها. ذكر السنوات (سنة كذا وسنة كذا)، مفيد وضروريّ لرؤية التسلسل الزمني وتقييم السابق بالنسبة للاحق في الثقافة نفسها، وبينها وبين الثقافات الأخرى. عدا ذلك فسنتحصل على إطلاقية (فوق تاريخية) غير مُستحبّة أو تفكير زائف بمظهر موضوعيّ.سادساً: لا يمكن مناقشة القضايا الكبرى في التراث دون وثيقة، إضافة للتأريخ (بهمزة). والتدقيق بالوثيقة من الخارج والداخل. لذا يكون علم الأركيولوجيا (الآثار) مُستَنَدَاً كبيراً لقراءة التراث أو بعض جوانبه، كتطور الكتابة وأسماء العلم وغير ذلك.سابعاً: الموضوعية التي يزعم الجميع أنها أداته قد تكون محض ذاتية، عندما لا تتوفر شروط التأريخ والوثيقة المفحوصة والتشبث بالأيديولوجيا الثابتة. إن (وهْم الموضوعية) المتفشّي ليس (الموضوعية).ثامناً: التخلي (ولو مؤقتاً، وهذا صعب) عن كلّ إيمان دينيّ خاصة، وطائفي وعقائدي عند مناقشة التراث. بعض البحوث الموضوعية، زعْماً، تفوح برائحةٍ دينية وعقائدية في الحقيقة، من جانب الدينيين كما الماركسيين.تاسعاً: لا توجد (نتائج) و(خلاصات) حاسمة ونهائية وتبسيطية، بل رجوحية في النتيجة والخلاصة. أما مغامرة الكاتب وخصوصية شخصيته وجرأته فهي ضرورة جوار ذلك، دون أية مُفارَقة.عاشراً: ثمة ضرورة لقراءة ومراجعة باحثين عرب وأجانب ناقشوا تراثنا أو تراثهم، وفق هذه الأدوات أو بعضها، وما يشابهها، لرؤية مقدار رجوحيتهم وتواضعهم ودقتهم. لن نستشهد هنا بمنجهية ومعارف ماسينيون ودقائق بحثه عن الحلاج أو كوربان عن التصوف الإسلاميّ إلا من أجل تقييم السرعة والاستخفاف والخفة بين ظهرانينا، في وسائط تواصُل ودور نشر بعينها.
هناك أدوات أخرى لا مجال لها هنا.
جميع التعليقات 1
نجاح العنزي - الرياض
حضرة الأخ الفاضل شاكر لعيبي وفقك الله أوافق حضرتك في كل ما ذكرت في المقال. لكن هناك تعقيب بخصوص الفكرة الأساسية حول تناول التراث الإسلامي عند العامّة -أو الجماهير- الذي أصبح اليوم هو البلاء المبين في الأمة. كيف السبيل إلى رفعه هذا هو السؤال المطروح اليو