اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هنا تونس

هنا تونس

نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م

كلما شكا لي عربي، من بلدان الربيع، من الظلم الذي عاناه كفرد، أو ممّا عاناه أهله وشعبه أهمس لنفسي "اليدري يدري". وإن وجدته يلح بالشكوى أدندن في قرارة الروح "يلوم الما دره بعلتي شمرها". وعندما أجد آخر يشكو خيبة أمله بالذين أتوا بعد الدكتاتور الساقط تنتابني غصة تجعلني أشعر وكأن حيلي قد انهدم وأحس بنفسي صار زفيرا بلا شهيق. تدفعني الحسرة أن أصيح: تتوجه بيّه وأنا من الميت أطلب حيل. لكن خوفي من أن لا يفهم ما أقول يحبس صيحتي في قلبي.

كل تلك الانفعالات، التي اعترف أنها عاطفية في أغلبها، تتحول عندي إلى شيء أقرب لغيرة الأطفال عندما أكون في بلد عربي تخلص من طاغيته. وفعلا شعرت كذلك عندما كنت يوم أمس أتجول مع نخبة من المفكرين والمثقفين المصريين والعراقيين في شارع الحبيب بو رقيبة بتونس العاصمة، والذي ظل اسمه هكذا حتى بعد الثورة. في تونس تشم رائحة الحرية في كل مكان. حتى في ملابس الناس وضحكاتهم. تراها تناديك في عيون التونسيات وفي وجوه الشباب المليئة بالحب والتفاؤل والأمل. وكما الطفل يمّمت وجهي صوب العراق تحسرت كالعادة: جا إحنه شبينا؟

كنا، ونحن نمشي في الشارع الطويل، قد انقسمنا إلى مجموعات. كنت محظوظا حقا إذ صار زميل دربي المفكر جابر عصفور. صرت ومن دون أن أشعر أعد أصحاب اللحى والدشاديش القصيرة فلم أر منهم أحداً إلا كل ساعة أو أكثر. على مدى أربع ساعات ونصف الساعة  لم أشاهد غير اثنين فقط. سألت جابر عصفور هل انتبهت إلى قلّتهم؟ سألته من دون أن أقول من هم. رد علي: وهل حسبت عدد المنقبات؟ لم أر ولا واحدة منهن يا عم جابر !أتعرف ماذا يعني ذلك؟ شنو؟ إن هذا الشعب حي يعرف معنى الحياة. ثم صاح بي: بص!

التفت نحو إشارته فوقعت عيني على فتاتين تتحدثان على الرصيف. واحدة محجبة وصديقتها الأخرى، لو لم تكن تتكلم بالتونسية، لقلت إنها فرنساوية من طريقة هندامها وقصة شعرها. استوقفنا قميصها الأنيق الذي انبسط وسادة ناعمة ليحتضن كتباً يبدو أنها أتت بها تواً من معرض الكتاب. تطلعت بعيني صاحبي فوجدتهما قد ازدادا بريقا وشبابا. سألته: أيه ده يا عم؟ فرحان أنا يا هاشم، فهذا الشعب سائر نحو الخير والنور بلا شك.

دخلنا ساحة واسعة وجلسنا في مقهى يتوسطها. أسراب من حمائم الحرية هؤلاء التونسيات. لا أدري لماذا لا يشعرني الرجال بوجود الحرية مثلما تشعرني بها النساء من دون أن يهتفن أو يرفعن شعارا ثوريا واحدا؟

لقد عدنا شبابا، ونحن أقلنا عمرا على أعتاب الستين أو لا يكون قد تجاوزها. صارت الركب أخف والأوجاع أقل ونسي أغلبنا تناول حبوب تنظيم الضغط والسكر والكولسترول ومقاومة الكآبة.

إنها الحرية ذلك الداء الذي تشردنا من أجله وضاع لنا بسببه وطن كان من أجمل البلدان. فداوني بالتي كانت هي الداء يا صاحبي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram