من أسماء رياح الصبا التي تهبّ من الشرق الى الغرب التي نجدها في القاموس العربيّ، مفردة الأير، ولا تذهب بك الظنون أيها القارئ بعيداً، وهي إِيْرٌ وأَيْرٌ [بالكسر والفتح] وأَيِّرٌ، وهي أَخبث النُّكْبِ. ولعلها بالأحرى بالكسر الإيْر، وهذا يعني أنها ربما كانت مفردة أخرى لُفظتْ بتحويل الهاء همزةً، أو العكس، وهو تصويت متواتر. قال الأَصمعي من أَسماء الصبا إِيْرٌ وأَيْرٌ وهِيرٌ وهَيْرٌ وأَيِّر وهَيِّر. وأَنشد يعقوب (وإنَا مَسامِيحٌ إِذا هبَّتِ الصِّبا- وإنّا لأَيْسارٌ إذا الإِيرُ هَبَّتِ)، ويقال للسماء إِيرٌ وأَيْرٌ وأَيَّرٌ وأَوُررٌ. والإِيْرُ ريحُ الجَنُوبِ، وجمعه إِيَرَةٌ. ويقال الإِيْرُ ريح حارة من الأُوارِ، وإِنما صارت واوه ياء لكسرة ما قبلها. وريح إِيرٌ وأُورٌ باردة. بعد ذلك كله فقط يُضيف اللسان أنه قضيب الرجل المعروف. إنني ميّال لربط مفردة [القضيب الحالية] بريح الصبا سيدي، وبالسماء كما يقول الأصمعي. إذ لعلّ مفردة (القضيب) المذكورة موصولة بطريقة ما مع أيروس Éros، الربّ أيروس (وهذا يمكن أن يُكتب هكذا أير + وس): ربّ الحبّ وسطوة الخلق في الميثيولوجيا الأغريقية. ومنها تأتي اليوم الأيروتيكية érotisme الشهيرة. والربّ ذاك هو أصل الخلق الأول. وهو مولود من الإله أثير Éther، وهو الهواء الذي تتنفسه الآلهة . وهنا نلاحِظُ جيداً علاقة أيروس مع ريح الصبا والربة كاووس [الفوضى] الخالقة الأولى للكون التي تجسّد المكان غير المحدد والمادة التي لا شكل لها والتي سبقت كل خلق وكل خليقة وكل ما هو معروف. وأيروس هو الذي خلق الطيور قبل البشر، نلاحِظ هنا أيضاً علاقة الطيور بالريح. وفي التقاليد اليونانية الأكثر تأخُّراً (بدءاً من القرن السادس قبل الميلاد)، يعتبر إيروس ابنا وُلد دون أب من ربة الولادات آيليثيا أو ابن الرب زفير (النسيم العليل Zéphyr، الريح مرة أخرى) وأيريس. أيروس في التقاليد اليونانية هو ربّ الحبّ والجنس الخصوبيّ كليهما بشكل ما. وهنا لن نُصاب بالعجب أن يكون هير القاموس أي رياح الصبا محض تصويت عربيّ لأير بمعناها الجسديّ الذي لعله يتصل بـ (أير + وس) اليونانية بطريقة معقدة، أو هو نقل حرفيّ لمفردة يونانية. فما الذي يدفعنا لربط الـ (أير + وس) بريح الصبا: ريح قريبة من الإعتدال، طيبة، وهي النسيم السحريّ الذي يلتذّ به الإنسان ويطيب النوم عليه، ويجد المريض راحة عند هبوبها. قال ابن عرفه نفطويه يمدح الرسول (له دعوة ميمونة ريحها الصبا - بها أنبت الله الحصيد والأبا)، قال مجنون ليلى (فان الصبا ريح إذا تنسَّمتْ - على نفس مهموم تجلت همومها). وكان لبيد قد نذر في الجاهلية أن يطعم ما هبت الصبا ثم واصل ذلك في إسلامه. والصبا ينظر إليها الشعراء على أنها مبعوثهم فيحملونها الهدايا والأشواق، أما الصبا فهي الصبوة: رقة الحب والصبابة.
من ذلك يتضح الآن أن الأيْر أي ريح الصبا هي مقارَبة مع الرب أيروس اليوناني، ولعلّ منه جاءت الكلمة. مع ملاحظة وجود (صدفة لغوية؟) في هذا السياق إلا وهو التشابه بين أير العربية وكلمة air في الانكليزية التي تعني هواءً.
وسنأتي قريباً إلى هذه العلاقة الصوتية والدلالية كليهما بين (هير) المعاجم العربية والربّة اليونانية هيرا (Hera).
ما علاقة ريح الصبا بالأيروس اليونانيّ؟
[post-views]
نشر في: 30 أكتوبر, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...