TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مفهوم "قوّة العادة" السوسيولوجيّ في الحقل الثقافيّ

مفهوم "قوّة العادة" السوسيولوجيّ في الحقل الثقافيّ

نشر في: 27 نوفمبر, 2017: 09:01 م

نشهد الآن جميعاً انبثاق أجيال أدبية جديدة، في الرواية والشعر، والكتابة السريعة والساخرة التي تَشْغَل في وسائط التواصل الاجتماعي فضاءً واسعاً. لكن أجيال الثقافة العربية تتحرك في سياق يبدو وكأنه استقر على خبرات ثقافية ومعايير وأخلاقيات لا يجوز الخروج عنها، إلا قليلاً وباحتراس. جميع اختراقات الكتابة في "السوسيل ميديا"، صوتها العالي، جرأتها، سعيها لتحطيم التابو الثقافيّ، تبدو، إلا في حالات أصيلة نادرة، شكلانية، وتتراجع على الفور إلى المربّع الأول الكريه، حالما يتعلق الأمر باختراق حقيقيّ للمعايير والأعراف المستقرّة. بعض الأعراف الثقافية وممثليها من طينة مريبة، كما يعرف مثقفون محترمون حسنو الاطلاع. الأمر أكثر وضوحاً في الشأن السياسيّ الذي لا تفصله، في الأدبيات والممارسات، مساحة مهمة عن أدبيات الشأن الثقافيّ. براهين الحقل السياسيّ تعزز حقيقة الحقل الثقافيّ الذي يشغل بالنا.
"قوّة العادة" مفهوم سوسيولوجيّ قد يفسّر البطء الشديد في قبول الأصوات الجديدة القلقة، ويؤوِّل خير تأويل طبيعة الخبرات الثقافية المستقرّة التي يصعب مساجلتها إلا بثمن باهظ. من الصعب مثلاً رفض صوت شعريّ او روائيّ ثابت، أو الشك بطبيعة شعريته - نثريته، أو الريبة من السياق الذي طلع فيه. قوّة العادة هنا تمشي بالتوازي مع سعادة القبول بالإجماع. لم يبرهن الإجماع الأدبيّ على المدى الطويل على صوابيته، مثلما لم يبرهن، بالضرورة، الانشقاق عن الخبرة الثقافية المستقرة على عدمية أو خوائه الإبداعيّ.
ثمة، في ثقافة العرب، خبرة ثقافية تستقرّ على (زمنٍ) قريب أو بعيد بعينه، برهن في لحظةٍ ما على تألق وفاعلية. وتتشبث بمقادير ومعايير ذلك الزمن، رغم "كمية المتغيرات" وجذريتها أحياناً. نحن نعرف اليوم أن هذا الاستقرار السعيد، غير المغامر، قاد إلى توطين واستعادة أسماء مبدعة بعينها، عن حق وباطل. أنت لا ترى في أيّ ثقافة، عدا ثقافتنا، هذه الانتقائية الصارمة في خيارات الأسماء المكرّرة (ثلاثة، أربعة، خمسة بأحسن الأحوال، لكل حقبة) في كل مناسبة منذ الخمسينيات حتى يومنا هذا. وإذا ما ذُكرتْ ظواهر أو أسماء أخرى جوارها، فبمثابة كويكبات تدور في مدارات كواكب كبرى برّاقة. وهو أمر غير منطقيّ أبداً في جوهره، لأنه يتهم ضمنياً مجمل الفاعلين الآخرين في حقول الثقافة بالإخصاء الرمزيّ. لهذا السبب، نلتقي بين فترة وأخرى بكتابات تُذكِّرنا بالمنسيّ والمجهول والمهمَّش الثقافيّ، شعراً وفناً تشكيلياً، ليعيد إليه بعض حقه المغيَّب، بل الذي طال أمد غيابه.
ونحسب أن الانتقائية والإصرار على تسييج الأجيال الثقافية بمنجزاتٍ وأسماء بعينها قاد ويقود، من جهة أخرى، إلى سوء تفاهم مزمن بين المثقفين، خاصة الرافضين لاسترخاء "قوة العادة"، في مواجهة سعادة القبول وتراخي المعايير.
كتبنا قبل أيام جملة مختصرة في أحد وسائط التواصل الاجتماعي تحت عنوان "قارات الثقافة العربية" مفادها "في الثقافة العربية لدينا أكثر من مليون قارة ثقافية، في الأقلّ": تنبيه مُضْمَر لهذه الاستعادة ثم الاستعادة وإعادة الاستعادة للخبرات الثقافية المستقرّة التي تزعم أنها، رغم ذلك، مارقة عنها. من يمتلك المؤهلات لمروق ظافر مأمول؟ أليس في ذلك زعم متعالٍ على الحقيقية الموضوعية للأشياء، بما في ذلك حقيقة كاتب الجملة؟ أجل، نَعِي العقبات، نَصِفُ ولا نطلق أحكام قيمة، ولكن هل يتوجب الانحناء الأبديّ للظاهرة؟اليوم، تبدو الحاجة ماسّة (بعضنا لا يعترف بمفهوم الحاجة) لإجراء مراجعة للخبرات الثقافية المستقرّة. حاجة كان جيلي مثلاً يتلمّسها دون الحصول عليها، كان الجيل التالي يرغب بها، ونعرف اليوم أن الأجيال الراهنة ترغب بها كلّ الرغبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram