هاكم المثل العربيّ الذي يذكره أبو الفضل أحمد بن محمد الميدانيّ (ت عام 1124م) في "معجم الأمثال": (يا حبّذا الإمارة ولو على الحجارة). والإمارة كناية عن السلطة. في لسان العرب: أمر الرجل يأمر إمارة إذا صار عليهم أميراً. وأمر أمارة إذا صير علماً. ويقال (ما لك في الإمرة) أي الإمارة. وأمر فلان إذا صِيْر أميراً، وصار أميراً، والأنثى بالهاء، قال عبد الله بن همام السلولي (ولو جاءوا برملة أو بهند لبايعنا أميرة مؤمنينا). وفي مفردة الإمرة قول علي بن أبي طالب "أما إن له إمرة كلعقة الكلب لبنه". ويقال (لك عليّ أَمْرة مطاعة)، ومعناه لك عليّ أمرة أطيعك فيها، وهي المرة الواحدة من الأمور، والتأمير هو تولية الإمارة. وأمير مؤمَّر: مُملَّك.
وهنا يُفهم سبب تلويحنا بالمثل، فإن هذا مثل يتطابَق والموقف الدفين المريب الذي يتخذه بعض ساسة بلداننا الغنية، والأقل غنىَ.
علينا في البدء ذكر سياق المثل، وهو أن عبد الله بن خالد أسيد قال لابنه: ابْنِ لي داراً بمكة، واتخذ فيها منزلاً لنفسه، ففعل، فدخل عبد الله الدار، فإذا فيها منزل قد أجاده وحسّنه بالحجارة المنقوشة، فقال: لمن هذا المنزل؟ قال: المنزل الذي أعطيتني. فقال عبد الله: يا حبّذا الإمارة ولو على الحجارة. فذهبت الكلمة مثلاً.
والسياق السرديّ للمثل قد يحرفنا عما ننتويه. لكن ظاهر الجملة يتطابق مع لسان حال المتشبثين بالإمارة على كومة من الحجارة التي صنعوها، هم بأنفسهم، من أجل هذه الإمارة. وهم في النهاية من صُنّاع الخراب والفساد الإداريّ والماليّ والإنسانيّ والأخلاقي، وداعمي الإرهاب بالمال والإعلام في أماكن أخرى. وأنا لنجِدُ مشيناً – إذا كان للكلمة من معنى بَعْدُ – أن الكلام خافت قليلاً والصمت مطبق عن مساوئ الجالسين على (كومة الحجارة) في بلداننا المتكومة حجراً على حجرٍ، خوفاً من سطوة (الجالسين على كومة الحجارة). بل الرعب الداخليّ الذي يشير إلى حجم المال الذي جرى بثه وبثّ عيونه في كل حدبٍ وصوبٍ. لقد وضع أمراء الحجارة الأقفال على كل باب. مشروعهم ينطبق عليه المثل الآخر الذي كانت تقوله عامة الناس في زمن الآبيّ (ت 1030م) "قفلٌ على خِرْبَة" المذكور في كتابه "نثر الدرّ". مشروعهم في المنطقة هو (قفلٌ على خِرْبَة)، يا لجَمَال الاستعارة. أما الخراب - حتى لا ننسى - فهو ضدّ العمران، والخربة موضع الخراب. وللأمر بعض العلاقة بالإمارة أيضاً. ففي الحديث (من اقتراب الساعة إخراب العامر وعمارة الخراب)، كأننا في وضع لا منطقي وسورياليّ، والمراد رمزياً بهذا الحديث كما يقول المؤولون "ما يخرّبه الملوك من العمران، وتعمره من الخراب شهوة لا إصلاحاً، ويدخل فيه ما يعمله المترفون من تخريب المساكن العامرة لغير ضرورة وإنشاء عمارتها".
المَثَلَانِ القديمان هذان، كأنهما ينطقان بلسان حالنا. ففيهما حكمة عابرة للعصور، وفيهما إشارة إلى شهوة السلطة التي لم تكفّ عن الإطلال بوجهها تحت أقنعة شتى.
هل يتوجب نسيان أن مفردة "السلطة" وفق الممارسة التاريخية العربية مرتبطة اشتقاقياً بالـ "التسلّط" على العباد والحجارة. ففي اللسان نفسه: سلط من السلاطة وهو القهر، وقد سلّطه الله فتسلّط عليهم، والاسم سلطة، بالضم. والسليط هو الطويل اللسان، كأنه يقهرك بطول لسانه.
تلويحة المدى: شهوة السلطة: (قفلٌ على خِرْبَة)
[post-views]
نشر في: 5 مارس, 2018: 06:04 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...