شاكر لعيبي
في مقارعة عدو خارجيّ أو فساد داخليّ لا يبدو حكّام وساسة بلداننا بالكفاءة والقدرة والإقدام على الواجبات، قدر جسارتهم، وهذه مناسبة لقول ذلك، على أبناء جلدتهم. مرة أخرى تصير العودة الدلالية إلى حكمة اللسان العربي، الفصيح أو المحكيّ، أكثر بلاغة.
في البدء، اللسان الشعبيّ المصريّ. ما زلنا نسمع التعبير المصريّ (سبع برمبه) ولا يعرف بعضنا معناه المخصوص. وهي عبارة تهكُّم وتعريض بمدَّعي الشجاعة وليس بشجاع، ولمن يُصاب بالتهلكة بعد النصيحة فيصير سخرية. البرمبة، حسب أصدقائي المصريين، تحريف لكلمة (البرمبل) وهو اسم ناحية بمركز الصف بالجيزة في مصر، يُعرف أهلها بالإقدام، ويُسمّى الرجل من سكانها بـ (البرمبل)، فإذا شوهد شخص يدعي الشجاعة قيل (يا سبع البرمبل)، ثم حُرِّفت إلى "سبع البرمبة". والسبع في العاميات العربية تشير إلى الأسد، وليس هذا معناها الاصطلاحيّ في اللسان العربي، فالسَّبُعُ يقع على ما له ناب من السِّباعِ ويَعْدُو على الناس والدوابّ فيفترسها مثل الأَسد والذِّئْب والنَّمِر والفَهْد وما أَشبهها.
ولا نعرف فيما إذا وافق القراء تحديدنا لـ (سبع البرمبه) بأنه أسدٌ مخصيّ. إخصاء رمزيّ بالطبع، ولعله نعامة في الجوهر، انطلاقاً من معايير البيت الشعريّ المعروف: "أسد علىَّ وفي الحروب نعامة" الذي قالته السيدة غزالة الشيبانية، رغم جميع الصفات المحمودة للنعامة - شخصياً أقدّر النعامة - من جهة أخرى.
قد لا يرى بعضنا توازياً بين سبع البرمبه والنعامة. لكننا نطلق في الثقافة العربية من معايير عرفية للنعامة، ومن الدلالة الرمزية الممنوحة لها، وهي لا تختلف كثيراً عن معنى التعبير الفرنسيّ (سياسة النعامة: La politique de l’autruche)، فالنَّعامةُ تكُون للذكر والأُنثى؛ قال أبو كَثْوة: (ولَّى نَعامُ بني صَفْوانَ زَوْزَأَةً، لَمَّا رأَى أَسَداً بالغابِ قد وَثَبَا). والعرب تقول "أَصَمُّ مِن نَعامةٍ"، وذلك أنها لا تَلْوي على شيء إذا جفَلت، ويقولون "أَمْوَقُ [أحْمَق] من نعامةٍ" و"أَشْرَدُ من نَعامةٍ"؛ ومُوقها هو تركُها بيضَها وحَضْنُها بيضَ غيرها، ويقولون "أَجبن من نَعامةٍ" و"أَعْدى من نَعامةٍ". ويقال ركب فلانٌ جَناحَيْ نَعامةٍ إذا جدَّ في أَمره. ويقال للمُنْهزِمين "أَضْحَوْا نَعاماً"؛ ومنه قول بشر "فأَما بنو عامرٍ بالنِّسار فكانوا، غَداةَ لَقُونا، نَعامَا" وتقول العرب للقوم إذا ظَعَنوا مسرعين "خَفَّتْ نَعامَتُهم" و"شالَتْ نَعامَتُهم"، أَي استَمر بهم السيرُ. ويقال للعَذارَى كأنهن بَيْضُ نَعامٍ. ومن أَمثالهم (مَن يَجْمع بين الأَرْوَى والنَّعام؟) وذلك أن مَساكنَ الأَرْوَى شَعَفُ الجبال ومساكن النعام السُّهولةُ، فهما لا يجتمعان أَبداً.
وكذلك الدلالات الممنوحة لها في تفسير الأحلام. حسب ابن سيرين النعامة "امرأة بدوية جميلة لمن ملكها أو ركبها، وتدلّ على الخصيّ لأنها طويلة ولأنها ليست من الطائر ولا من الدواب، وإذا رأى السلطان له نعامة فإن له خادماً خصياً يحفظ الجواري، وذَبْح ذَكَر النعام من قفاه يعني لواط به". والأغرب أن ابن سيرين يرى أن الذي يجمع "بين الطاووس والحمامة هو رجل قوّاد على النساء والرجال".
إلى أين نذهب بذلك كله، وأين يذهب بنا الكتاب المنسوب لابن سيرين، وهو، بالمناسبة، من مراجع كتاب فرويد "تفسير الأحلام" كما يمكن أن نرى في نهاية ترجمته إلى العربية.
نذهب بقليل من التردّد إلى وجود توازٍ بين "سبع البرمبه" المصريّ ورمزية النعامة في ثقافة العرب، خاصة في يوم السياسة الراهن، يومنا.