شاكر لعيبي
الخِدْر والجارية المُخَدَّرة، قد تستدعى للبال أغنية عراقية تراثية تقول "خدري الشاي، خدريه". لكن الخِدْرُ هو سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت ثم صار كلُّ ما واراك من بَيْتِ ونحوه خِدْراً، والجمع خُدُورٌ وأَخْدارٌ، وأَخادِيرُ جمع الجمع؛ وأَنشد (حتى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ) وفي الحديث: أَن النبيّ كان إِذا خُطِبَ إِليه إِحدى بناته أَتى الخِدْرَ فقال إِن فلاناً يَخْطُبُ، فإِن طَعَنَتْ في الخِدْرِ لم يزوّجها؛ معنى طعنت في الخدر دخلت وذهبت، وقيل معناه ضربت بيدها على الخِدْرِ.
وجارية مُخَدَّرَةٌ إِذا أُلزمت الخِدْرَ، ومَخْدُورَة. والجواري المُخدّرات هنّ، في رأيي، العذارى، فقد جاء أن النبيّ كان "أشدّ حياءً من العذراء في خدرها»، كأنه أراد بالمخدّرة المحجوبة، أو المصابة بالخَدَر أي الفتور والكسل. والاخير افتراض نحاول التثبت منه.
لنقلْ أولا أن الخدر من المشترك العبريّ مع العربية. فالخدر (نقلاً عن مفسّري للكتاب المقدّس) هو الستر يمدّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كل ما واراك من بيت ونحوه، وهناك ثلاث كلمات عبرية لها، الأول "خدر" كما هي في العربية لفظًا ومعنى (تث32: 25، أم7: 27) وقد ترجمت في مواضع كثيرة إلى "مخدع" (انظر تك43: 3، قض3: 24، 2صم13: 1)، وإلى"حجرة" (قض15: 2، 16: 9و12) وإلى"حجال" (نش1: 4). الثاني في "ميونة" (نش4: 8، عاموس3: 4) وقد ترجمت الكلمة هنا إلى"مآوي"(مز104: 22، ناحوم2: 12إلى "عريِّس" (أيوب38: 40). وخدر الأسد هو عرينه أو مكمنه (عاموس3: 4). والمقصود بالخدود في التثنية (32: 25) حيث تحتجب النساء في داخل البيت. أما"خدور الموت" (أم7: 27) فهي القبور. الثالث في "بنيم" في القول "كلها نجد ابنة الملك في خدرها" (مز 45: 13) أي في مخدعها الداخليّ.
وفي كل ذلك ما لا يدل ذلك على الفتور والكسل لأول وهلة. للوهلة الثانية هناك ما يقال. فإن خَدَرَ بالمكان وأَخْدَرَ تعني أَقام؛ قال (إِنِّي لأَرْجو من شَبِيبٍ بِرّاً والجَزْءَ إِنْ أَخْدَرْتُ يوماً قَرَّا)، وأَخْدَرَ فلان في أَهله أَي أَقام فيهم، وأَنشد الفراء: (كأَنَّ تَحْتِي بازِياً رَكَّاضَا، أَخْدَرَ خَمْساً لم يَذُقْ عَضَاضَا) يعني أَقام في وٍكْرِه. ونحن تعرف أن الإقامة تستلزم الفتور والكسل البدنيّ. قال العجاج: (وخَدَرَ الليل فَيجْتابُ الخَدَر) وقال ابن الأَعرابي: أَصل الخُداري أَن الليل يخدر الناس أَي يُلْبِسهُم؛ ومنه قوله: «والدَّجْنُ مُخْدِرٌ». أَي ملبس؛ ومنه قيل للأَسد خادر. علاقة الليل بالخدر [الفتور وهو النعاس والنوم] واضحة هنا. ومن هنا مضوا في استخدام الخَدَر، كما نستخدمه نحن اليوم، خَدِرَتِ الرِّجْلُ تَخْدَرُ؛ والخَدَرُ من الشراب والدواء فُتُورٌ يعتري الشاربَ وضَعْفٌ. والخُدْرَةُ ثقل الرِّجل وامتناعها من المشي. خَدِرَ خَدَراً، فهو خَدِرٌ، وأَخْدَرَهُ ذلك. والخَدَرُ في العين فتورها، وقيل هو ثِقَلٌ فيها من قَذًى يصيبها؛ وعين خَدْراءُ خَدِرَةٌ.
والخَدَرُ الكسَلُ والفُتور؛ وخَدِرَتْ عظامه؛ قال طرفة: (جازَتِ البِيدَ إِلى أَرْحُلِنَا - آخِرَ الليلِ، بِيَعْفُورٍ خَدِرْ). خَدِرٌ كأَنه ناعس. والخَدِرُ من الظباء هو الفاتر العظام. والخادِرُ هو الفاتِرُ الكَسْلانُ. وفي حديث عمر أَنه رَزَقَ الناسَ الطِّلاءَ فشربه رجل فَتَخَدَّر أَي ضَعُفَ وفَتَرَ كما يصيب الشاربَ قبل السكر.
وبالتالي، فإن جارية مُخدَّرة هي جارية كسلة فاترة الحركات في مخدعها. ولهذا علاقة بالأغنية الشهيرة "خدري الشاي"، وهو (تخديره) على نار الفحم الهادئة يومها، فيكون الشاي المعدّ بهذا الفتور أحسن طعماً ولوناً ورائحة. "خدري" أي اطبخي ببطء وفتور وكسل على نار فاترة، مُخَدَّرة ومُخدِّرة.