علي رياح
عرضتْ عليّ شخصية عامة ومعروفة ، خلال الأيام الماضية ، فكرة إصدار صحيفة رياضية يومية ، أو ثلاث مرّات في الاسبوع على أقل تقدير،
وذلك بروحية جديدة ونسق مختلف وطراز هو الأكثر حداثة ، وأن أكون أنا رئيساً لتحريرها بصلاحيات مطلقة ، فكان ردّي هو الاعتذار الفوري مع الاحتفاظ بكامل الامتنان والتقدير لصاحب الفكرة وداعهما بلا حدود كما كان يؤكد!
وعندي ثلاثة أسباب رئيسة للاعتذار كاشفت بها صاحب العرض المغري ، من مطلق الصدق مع الذات ومعه ، وهي :
أولاً: إنني ومنذ مدة ليست بالقصيرة أكتب وأعيد الكتابة عن انزواء الصحافة الورقية يوماً بعد يوم في زاوية ضيقة ليس في العراق وحده وإنما في العالم بأسره ، وهذه حقيقة نتجرّعها ولا بدّ أن نتعامل معها وإن كان لها طعم الحنظل .. وكثيراً ما سُـئلت عن سر قناعتي هذه ، ويكون ردي للسائل : قلْ لي كم صحيفة تُقرأ في اليوم الواحد؟ هل ما زلت مواظباً على شراء الصحف أو حتى على أن يستعيرها كما كان أهلنا يفعلون قبل خمسين أو ستين سنة؟ قلْ لي: هل اشتريت صحيفة اليوم ومتى كانت المرّة الأخيرة التي دسست فيها يدك في جيبك لتدفع ثمن صحيفة كنت ذات يوم تهواها وتطاردها مع الخيوط الأولى للصبح؟!
ثانياً: وهو سبب يرتبط – بالضرورة – بالسبب الأول .. قبل (14) سنة كتبت مقالاً في صحيفة (الأهرام) المصرية ، قلت فيه (إن الكارثة في الطريق ، وإن نصف جرائد الدنيا سيتوقف عن الصدور بالطبعة الورقية عند حلول عام 2025، وأن العالم لن يشهد بحلول عام 2030 إلا صمود عشـرة بالمـائة من الصحف التي تصدر الآن)!
كانت ردود الأفعال على مقالي رافضة ، أو ساخطة ، أو تقول : (فـال الله ولا فـالـك) . وكتب عدد من الزملاء الصحفيين العرب يردّون عليّ بالإنكار أو الاستنكار!
وكانت قناعتي ، أو قراءتي راسخة ، إذ لم يكن ما كتبته تخمينا قائماً على فراغ ، ما دام الزحف الإلكتروني يكبر ، ويتعملق ، ويتغوّل ، ولا تتبقى لدينا في خاتمة الأمر إلا عاطفة الارتباط بالماضي .. إذ سيكون تصفح جريدة خارجة من بطون دويّ المكائن تزهو بالعناوين والصور والأحبار ، مثل مشاهدة فيلم بالأبيض والأسود ، يعود بنا إلى أيام سليم البصري ونجيب الريحاني وروبرت ميتشم وأدوار صالح عبد الحي وأغاني السيدة أم كلثوم!
ثالثا: أي خطاب يمكن أن تتبناه هذه الصحيفة في ظل وضعنا الرياضي الممزق الحالي الذي لا يسر صديقاً وربما سيُسر كل عدو حقيقي يتربّص السوء بالرياضة العراقية؟!
ففي ظل تداخل الخنادق ، ودوي المدافع الكلامية ، وحروب المصالح الضيقة و(الواسعة) أيضاً ، ماذا يمكن أن تسمع ؟ أنا لا أرى إلا أن كلمة الحق تضيع عند تخوم هذه الجبهة ولا تكاد تصل إلى أسماعنا ، وبالنتيجة فإن القارئ لن يجد ما يقرأه سوى غثاء السيل!
قلت لصاحب المشروع الطموح والذي قرأت كثيراً من الجدية في عرضه السخي إن الدنيا قد تغيّرت ومن عليها .. لم تعد لغة الصحافة الرياضية قبل ثلاثين أو أربعين سنة هي النمط الذي يبحث عنه الأغلب الأعم من المهتمين بالرياضة والإعلام الرياضي.
القضية لم تعد ممارسة رياضية قابلة للنقد ، أو حتى النقض . لم يعد الحوار وسيلة أو غاية . لقد تقطّعت بيننا السبل. حوارنا أشبه بجمل تجري على ألسنة الطرشان .. وفي قلب كل منّا صورة منسوخة .. فكل منا يدّعي لنفسه المعرفة المطلقة للحقيقة وأن في نفسه جوهرها المصون الذي ينبغي ألا يُمس!