شاكر لعيبي
هل من رسوم بشرية أو حيوانية على السجّاد في العصر العباسيّ؟ سؤال يبادرنا ونحن نقرأ الأبيات التي يوردها التوحيدي في (البصائر والذخائر):
"ندمانه من ضيق أخلاقه - كأنه في مثل سم الخياط - نادمته يوماً فألقيته - متصل الصمت قليل النشاط - حتى لقد أوهمني أنه - بعض التماثيل التي في البساط".
من الواضح أن الشاعر يقارب برود وخمود النديم بـ (التماثيل). والمفردة من الفعل يمثّل تمثيلاً. والتمثيل في الاستخدام المعجميّ العربي ترادف المفردة الفرنسية والإنكليزية (représentation) يستوي بذلك فنّا الرسم والنحت. وهذا دقيق تماماً حتى بالدلالة الراهنة للمفردة. في الأبيات المذكورة يُقصد رسم تشخيصيّ. إذن فإن بعض البساطات في العصر العباسيّ كانت مزيّنة برسوم تشخصية.
لم يقل لنا أحد ذلك منذ حديث عائشة عن النبي: "عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فيهِ تماثيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رسُولُ اللَّه تَلَوَّنَ وَجْهُه وقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أشدُّ الناسِ عَذابًا عِنْدَ اللَّه يَوْم الْقِيامةِ الَّذِينَ يُضَاهُون بخَلْقِ اللَّه، قَالَتْ: فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلنا مِنْهُ وِسادةً أَوْ وِسادَتَيْن".
والقِرَامُ هو سِتر فيه رَقْمٌ ونُقُوش. أو هو ثوبٌ غليظ ملون من صُوف يُتَّخذ سِتْراً وفِراشاً في الهَوْدَج. قرام السيدة عائشة كان فيه تماثيل (أي صور). لذلك فإن الأقمشة المزيّنة بالصور تقليد قديم. وهي ظاهرة ظلت قائمة حتى يومنا. لاحقاً، في العصر العباسيّ، ماذا عن نقوش وتصاوير الرسوم على السجاد ؟ السؤال لا قيمة له في الوضعية الراهنة للثقافة العربية التي تهتم بالأدب أكثر من الفن التشكيلي. الزربية هي السجادة. وترِدُ الزرابي في القرآن (وزَرابيُّ مَبْثوثةٌ). وهي معروفة بهذا اللفظ في المغرب العربي، وليس بالمشرق الذي يستخدم كلمة بُسط وبساط. لكن هاكم بيت أبي نواس الذي يصف فيه تخلخل الحواس بالخمرة:
أما رأيتَ وجوهَ الأرضِ قد نضرت - وألبستها الزرابي نثرةُ الأسدِ
فما يريد بذلك؟ النَّثْرَة أولاً: كوكبٌ في السَّماءِ كأنّه لَطْخُ سَحابٍ حِيالَ كَوْكَبَيْن تُسمِّيه العربُ نَثْرَة الأسد يعني مخاطه. وهي من مَنازِل القمر وفي علم النُّجوم من بُرجِ السَّرَطان. كيف تخيّل الشاعر هيئة الزرابي المفروشة على الأرض بهيئة نثرة الأسد، وهذه لطخات تجريدية بالأحرى؟ هذا السؤال يستلزم معرفة أصل المفردة زربية نفسها.
في مادة جيدة التوثيق يكتب نبيل الوغيليس عن أصل الكلمة. وسنحاول اختصارها: الأصل العربي، من مادة زرب، لشبهٍ ما يجمعها بالزرب الذي يُحاط به، كتداخل خيوط هذه وأغصان ذاك أو لارتباطها بزريبة الغنم أو ربما لشبه الزرب بالمنسج العمودي. ويرى William Hoyt Worrell أنها من الزِرب بمعنى القناة لأنها مخططة بقنوات. فيكون معنى الزربية كقولنا المخططة أو الخطيّة. الأصل الحبشي: القول إنها من الجعزية: زربت أو زرب بمعنى داس، فقد اعتبر عالم اللسانيات السامية والإثيوبية Wolf Leslau الفعل من العربية. أصل فارسيّ، في إطار دلالة لونية، وأنها مأخوذة من المفردة زربفت، أي المنسوج من ألياف ذهبيّة - هذا صعب القبول عندنا لأن البسط لا تُنسج بألياف ذهبية-. الأصل الأذري، حسب التونسي الطاهر بن عاشور، نسبة إلى (أذربيجان)، فزربية هي أذربية.
وفي ظني أن أصل المفردة عربيّ من فعل لا إشكال حوله. فحواه الولوج في مكان، والسرعة: تقول: زَرَبْتُ الغنمَ، أَزْرُبُها زَرْباً، وهو من الزَّرْبِ الذي هو الـمَدْخَلُ. وانْزَرَب في الزَّرْبِ انْزِراباً إِذا دخل فيه. وذلك أن الغنم تزرب (أي تدلف بسرعة إلى الحظيرة). لكن ما علاقة ذلك بالبسط؟ لعل تفسير مُؤرِّج بن عمرو بنُ الحارث بن ثور ابن حرملة بن علقمة بن عمرو بن السَّدوس (تـ195 هـ / 810م) معقول في سياقنا، فقد ذكر في قوله تعالى (وزَرابيُّ مَبْثوثةٌ): زَرابيُّ النَّبْت إِذا اصْفَرَّ واحْمَرَّ وفيه خُضْرةٌ، وقد ازْرَبَّ، فلما رأَوا الأَلوانَ في البُسُطِ والفُرُش شبَّهُوها بزَرابيِّ النَّبْتِ؛ وكذلك العَبْقَرِيُّ من الثِّياب والفُرُشِ.