علي رياح
كان السؤال : سدّد لاعب الكرة نحو مرمى الفريق المنافس ، وفي طريقها إلى الشباك انفجرت وهي تماماً على خط المرمى .. ما هو القرار الصحيح الذي يتوجّب على الحكم اتخاذه في هذه الحالة التحكيمية النادرة؟!
لم يُظهر الأستاذ مؤيد البدري تبرّماً أو ضِيقاً من هذا السؤال الذي طرحهُ أحد مشاهدي برنامجه الخالد (الرياضة في أسبوع) عندما كان يُقلـّب في الرسائِل التي كانت تصل إليه ، وهي تتعلّق بقضايا شتى ، وكان يمنحها دقائق معدودة للإجابة عنها .. لكنه ربما أدرك في دخيلة نفسه أن المشاهد أرادَ إحراجه على الهواء وأمام الملايين من الناس التي تعرف قيمة البدري في كرة القدم وذكاءه الإعلامي الذي لا نظير له ..
كان جواب البدري كالتالي : في هذه الحالة ، يُوقِف الحكم اللعب ويجري إسقاطاً للكرة في المكان الذي انفجرت فيه وهو خط المرمى كما يقول المشاهد!!
ثم استدار البدري في حركة ذكية وكان واضحاً فيها أنه تحوّل إلى المزاح الذي تغلـّفه الجدّية ، وقال : خط المرمى؟! يعني لا قبل هذا الخط ولا بعده بسنتميترات قليلة؟! ثم هل إن الكرة قطعة من (الكيك) يُسهل تهشـّمها على هذا النحو وعلى خط المرمى تماماً؟!
هذا الفاصل من برنامج البدري والتصاقه حتى بالمُعجـِز من أسئلة الناس ، أعادني إليه ما حدث في دوري الدرجة الثانية الألماني مؤخراً ، ففي مباراة فريقي بوخوم وهولستين كيل ، سدّد اللاعب سيلفر غانفولا من فريق بوخوم الكرة نحو المرمى وذهبت بعيداً عن الشباك بأمتار ، فأوقف اللاعب مايكل إيبرفاينمن وهو من الفريق المنافس كان يفترض أنه يجري تمارين الإحماء مع زملائه خلف المرمى .. أوقف الكرة وهي في طريقها إلى الخارج ، فما كان من الحكم تيمو جيراش إلا إنذار اللاعب وكذلك احتساب ركلة جزاء على فريقه لأنه لمس الكرة داخل منطقة الجزاء!!
اهتمّتْ الصحافة الألمانية والأوروبية معها بحالة نادرة الوقوع كهذه، وقد سجـّلت صحيفة (بيلد) الشهيرة أنه لم يحصل أبداً أن وقعت حالة مماثلة في تاريخ الكرة الألمانية ، بينما انصرف الاهتمام كله إلى قرار الحكم .. فالشق الأول منه وهو الإنذار لسوء السلوك مفهوم ومثبّت حتى في التعديلات القديمة لقانون الكرة ، لكن الجديد في الأمر احتساب ركلة الجزاء ، في جزئية يتضمنها القانون الكروي ولم يلتفت إليها أحد!
أريد أولاً القول تعليقاً على هذه الحادثة ، إن الفضل الوحيد في اقتناصها يعود إلى استخدام تقنية الفار تحقيقاً لعدالة ربما كانت ستفوت على الحكم لو أنه اعتمد فقط على النظر الإنساني المجرّد هو أو مساعده .. وهذا يؤكد أن الكرة تكتسب تشويقاً مضافاً بتطبيق (الفار) خلافاً لتلك الحملة الشعواء التي قوبل بها تطبيق هذه التقنية في أيامها الأولى واتهامها بتعطيل الفصول المثيرة في المباراة!
وأريد ثانياً تذكير زملائنا في كل مفاصل الإعلام الرياضي بضرورة العودة إلى انتهاج الأسلوب العملي البنـّاء في نسج العلاقة مع المشاهد الذي تفوته كثير من فصول القانون ، فلا يُدرك أين الصحّ وأين الخطأ في مثل هذه المواقف ؟ أنا اعتقد أنها مهمّتنا نحن الإعلاميين في التوقّف والشرح والتفصيل واستضافة المعني بالأمر كلّما استجدّت حالة تدخل في صميم كرة القدم وفي فهمها!
هذه مهمّة كان ينهض بها إعلاميونا الكبار في الصحافة والتلفزيون والإذاعة ، ولنا هنا مواقف كثيرة لا يسعها الحيّز لها ، وقد كان ذلك جزءاً أصيلاً من رسالتهم وتواصلهم مع الناس ، بدلاً من الذهاب دوماً إلى قضايا خلافية أو هامشية مُضرّة لا تقدّم إلى القارئ أو المشاهد أو المستمع إلا الوجه الكريه لكرة القدم وكل مجرياتها أمام الستار وخلفه!