TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: في مديح (عدي رشيد)

كلاكيت: في مديح (عدي رشيد)

نشر في: 27 يوليو, 2022: 11:21 م

 علاء المفرجي

يوم انهارت الطبقة الوسطى في بلده، وأصبحت مجرد حديث بين يائسين، ويوم لفظت آخر صالات السينما في بغداد أنفاسها متحولة الى محلات خردة او ماخور، ويوم خلا الطقس الاجتماعي العراقي من ارتياد السينما، ويم صار جيل كامل بلا أفلام أو سينما، سوى ما يراه في التلفزيون.

كان هناك شابا خجولا، ومتوثبا بالوقت نفسه، أسمه عدي رشيد، عرفته أول مرة نهاية التسعينيات يومها كنا في حديقة اتحاد الادباء، على مائدة واحدة أنا والراحلين الشاعر والكاتب رياض قاسم والناقد السينمائي سامي محمد، عندما قدم نفسه إلينا بخجل. فأيقنت من بريق عينيه والذكاء الذي يشع منها، أن مستقبل السينما سيصنعه أمثاله.

راح (عدي) يحاول بينه وبين نفسه، أن يعيد لنا كل ذلك، فقط بمجرد أن تحين له الفرصة، وحين جاء أوان تحقيق هذه الفرصة عام 2003، كان لابد لهذه الفرصة من أدوات ليحقق بها حلمه. فما كان علية إلا ان ينتزع أمر هذه الادوات بيديه أو وبأسنانه، فببساطة كان عدي يقول: « كنا نكره صدام، ولكننا لا نزال غير قادرين على الفرح لذهابه».. وهذا ما حصل عندما شمر وزملائه عن ساعديه ليحصل في السوق السوداء، على أفلام كوداك 35 مليمتر، كانت موجودة في أرشيفات صدام منذ ثلاثين عاماً، أي حتماً من خزانة سموم الشرير، بحسب الادعاء الوارد في ملف الفيلم الإعلامي الدعائي.

المفارقة المؤلمة أن شركة كوداك أوقفت إنتاج الأفلام المستخدمة في التصوير السينمائي في عام 1983، لكنها أمام إصرار رشيد نصحته بتخفيف الإضاءة أثناء التصوير، فاستحق الفيلم عنوان «Underexposure” او “غير صالح للعرض” أهي مغامرة؟ أم جنون؟ أم فكرة رائعة ومبتكرة للتسويق، حصل عليها (عدي) من ألاعيبه السحرية.؟

وانغمر مع صديقه البارع زياد تركي، في العمل في (غير صالح للعرض)، وخلفهم تيار شبابي ثقافي مجدد يحمل أسم (ناجين) أخذ على عاتقه أن ينحت بصخر الثقافة العراقية العتيدة، معلنا عن وجوده، وحيث لا برنامج تصوير، ولا خطة انتاجية، ولا تقاليد عمل، سوى الاصرار لتحقيق الحلم، كان مجرد أتفاق بين اصدقاء ليعلنوا عن وجودهم، كمثقفين لديهم مشروع، يجب أن يكتمل.. ولأن الحروب والحصار بمختلف اشكاله، والقمع، كانت تتزاحم في ذاكرته، لم يكن يعرف من اين يبدأ، فصرخ في صمت: “بـِتُّ لا أعرف ما الذي عليّ أن أصوِّره”.

اكتمل “غير صالح”، ونال سبق تاريخي، قبل أن ينال المشاركات الدولية والجوائز، بكونه أول فيلم بعد (التغيير)، وراح الشباب من عشاق السينما وخريجيها الجدد يرنون، الى هذا الانجاز الذي حققه نظيرهم العصامي (عدي رشيد) ويعدوه أبا للسينما الجديدة. نعم هو أب السينما الحقيقة بعد 2003، هو من أشعل جذوة الحماس في نفوس الشباب ليكتبوا تاريخا جديدا لها.

(عدي) الذي أرسل لي في فترة عمله في (غير صالح)، رسما لشريط سينمائي، عليه كلمة بغداد، والذي ما جعلني اسأله: متى نرى فيلمك عن بغداد، كما فعل فيلليني لروما، وما فعله سكوسيزي لنيويورك؟ وانت تحب بغداد بهذا القدر، أجابني: “ أذوب بذاكرتي.. أين الشريط.. واين الذاكرة؟ بل أين المدينة بين هذا وذاك”.. واستدرك “اشعر بي يوما اني ساصبع فيلما جيدا.. وبكل حب وثقة، ستكون ملامحك انت، والذين بقدرتك على الحب.. محورا اساسيا في ذاكرتي”

أنغمس صديقي عدي في لجة مشاريعه، والتي جعلته بعيدا عنا، في (نيويورك)، ليستزيد من الخبرة والدراسة، بعد أن اطمئن لجيل من الشباب يحفرون في المستحيل من اجل صناعة مشاريعهم وأفلامهم، ليجعلونا ننتبه لأخطر رسالة في الثقافة، السينما، لينفضوا الغبار عنها باعثين اياها الى حيث نتلمس الجمال. السينما التي صار لها بعد عشرين عاما، جمهور وكتاب ومنتجين، بفضل محاولة شاب خجول اسمه (عدي رشيد).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram