اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: مَنْ يترجِمُنا إلى الآخرين ؟

قناديل: مَنْ يترجِمُنا إلى الآخرين ؟

نشر في: 21 يناير, 2023: 09:12 م

 لطفية الدليمي

يعجبني في الدكتورة نادية هناوي هذا الدأب في العمل على مشاريع عدّة وولوج بوّابات معرفية قد تبدو متباينة المقاصد؛ لكنها في النهاية تقود إلى تعزيز الأفكار سواءٌ في نطاقات النظريات أو الفلسفات أو العروض أو التعليقات. من الموضوعات التي ولجتها هناوي راهنا مايتعلق بالترجمة من العربية وإليها، وأعني على وجه التخصيص مقالتيْن ثريتيْن نشرتهما في صحيفتين:

المقالة الاولى: عنوانها (الترجمة وحركة البحث العلمي) نشرتها هناوي في صحيفة (القدس العربي) بتأريخ 16 يناير (كانون ثاني) 2023، تناولت فيها كتاباً مترجماً إلى العربية بالتشريح الدقيق والعادل. المقالة تبدو في الاعتبار الانطباعي السريع نقداً لكتاب مترجم؛ لكنها أبعد من هذا بكثير؛ فقد تناولت هناوي العديد من الظواهر السائدة في الستراتيجيات الترجمية لدى بعض مترجمينا العرب وبخاصة الاكاديميين منهم. قد تكون الخصيصة الاكاديمية ثقلاً ينوء به الباحث والعمل بدلاً من أن تكون وسيلة داعمة لرصانة المنجز التأليفي أو الترجمي. فضلاً عن بعض مثالب الترجمة أشارت هناوي إلى تفاصيل أخرى يمكن للقارئ المعني مراجعتها في متن المقالة التي أرشّحُها للقراءة العامة.

المقالة الثانية: عنوانها (ظواهر في الترجمة إلى اللغة العربية)، نشرتها هناوي في الصحيفة الالكترونية اللندنية (رأي اليوم) بتأريخ 16 يناير 2023 (وهو ذات تأريخ نشر المقالة السابقة). يمكن إعتبار هذه المقالة تتمّة للمقالة السابقة وإن كانت أكثر شمولاً واتساعاً في تناول الموضوعات المطروقة لكونها لم تتحدّد في كتاب بذاته وإنما تناولت ظواهر عامة.

المقالتان تنطويان على أهمية خاصة وتحتملان الكثير من المناقشة وتقليب وجهات النظر وبخاصة عندما يكون الحديث من داخل المشغل الترجمي.

تؤكّد هناوي في المقالتين على أهمية موضوعة ترجمة آدابنا – إبداعاً ودراسات – إلى اللغات الاجنبية (الانكليزية هي المقصد المعياري بالطبع). تكتب هناوي في مقالتها الثانية بهذا الشأن:

« أما اهتمامهم (تقصد المترجمين العرب) بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى فليس في بال الكثيرين منهم للأسف وإذا سألت أحدهم ممن هو معروف بكثرة ترجماته لقال لك أن مثل هذا العمل لا يلقى صدى عند دور النشر الأجنبية. وهنا نرد عليه متسائلين وهل ترجمت أنت شيئاً ووجدت مثل هذا الصدود؟ أليس في ثقافتنا من الشعر والسرد والفكر والنقد ما يستحق أن يترجم ويطلع عليه الآخر الذي لا دراية له بمستوى ثقافتنا مادمنا نحن لانبادر ونعرفه بها؟ ولماذا نجد من تعلم منهم العربية من أساتذة الجامعات المتخصصين بالدراسات الشرقية يوظفون معرفتهم باللغة العربية في ترجمة قسم من أدبنا الى لغاتهم وأذكر منهم الامريكي روجر الان والبلغارية بيان ريحانوفا؟ «

عندما قرأتُ هذا الجزء من المقالة إستعدتُ على الفور حيثيات مراسلة كاتبتُ فيها المترجم الانكليزي المعروف جوناثان رايت Jonathan Wright بشأن يخصّ ترجمة إحدى رواياتي إلى الانكليزية لحساب جهة أكاديمية، حينها عرفت حجم التعقيدات اللوجستية والمالية الهائلة التي تقف بوجه مشروع ترجمي مثل هذا. هنا نتساءل: إذا كانت هذه التعقيدات ستنشأ أمام مترجم إنكليزي الاصل معروف بطول باعه ومَكْنَتِه في أدواته الترجمية فضلاً عن علاقاته الواسعة بكبريات دور النشر الجامعية والخاصة ؛ فلنا أن نتصوّر كيف سيكون الحال مع مترجم عرب. لن يتفوق المترجم العربي إلى الانكليزية المترجم الانكليزي الأصل بأي حال من الاحوال. علينا أن نقرّ بهذه الحقيقة ولانقفز عليها، وثمة دلائل مؤكّدة على صوابيتها في شواهد وراثية وأخرى تختصُّ بتفوّق اللغة الأم عند متحدّثيها الاصلاء بالمقارنة مع من تعلّموها لاحقاً، وإذا ماظهرت حالة مناقضة لها فأظنها ستكون القاعدة الاستثنائية التي لن يترتب عليها تعميم الاستثناء إلى مرتبة القاعدة التي يؤخذ بها دوماً.

لو تجاوزنا أفضلية المترجم الانكليزي (أو من كانت لغته الاصل هي الانكليزية) على المترجم العربي إلى الانكليزية فهناك أسباب أخرى لاتشجّع على ترجمة الآداب العربية من قبل مترجمين عرب. نعرف أنّ محاولاتٍ بُذِلت لترجمة أشعار أو روايات مخصوصة إلى الانكليزية من قبل عرب؛ لكنها ظلّت محاولات خجولة. ربما من الاسباب التي لاتشجع على هذه الترجمة هي أنّ المترجم العربي لايعرف بدقّة خريطة التضاريس الثقافية السائدة في العالم الناطق بالانكليزية؛ وعليه فالأكاديمي الاجنبي الذي يعمل مترجماً هو أعرفُ بأهمية الموضوعات المطلوبة للترجمة؛ فالمرء لن يترجم في النهاية عملاً لن يلقى صدى في الاوساط الاكاديمية أو العامة. ثمّ أنّ الاسماء الضاربة في الشهرة للترجمة من العربية إلى الانكليزية إنما هم أساتذة جامعيون يستطيعون ترتيب أمور النشر مع دور النشر الخاصة بجامعاتهم. روجر آلن نفسه أستاذ في جامعة بنسلفانيا، وهي جامعة أمريكية عملاقة ومركز بحثي مهم في الدراسات الخاصة بالاستشراق والتراث العربييْن، ومثل هذه المراكز تعرف حاجاتها أفضل منّا. ربما السبب الاكثر جوهرية بين كلّ الاسباب يكمن في أنّ الامر سيكون صعباً وشاقاً للغاية على النفس إذ نطلبُ من (الآخر) أن يترجم أعمالاً لنا إلى لغته في الوقت الذي نتخذ من مصادره البحثية أساساً مرجعياً في كتابة أصولنا التأليفية. سنبدو حينئذ كمن يبيع الماء في حارة السقائين. وهذا هو السبب نفسه الذي جعل الترجمات إلى الانكليزية (واللغات الاجنبية في العموم) لاتغادر سمة التراثيات العربية بسبب أهميتها الاستشراقية، أو بعض الاعمال الابداعية شعراً أو رواية بسبب أهمية راهنة إقتضتها قضية في المجال السياسي أو الثقافي العام أو ربما بسبب فوزها بواحدة من جوائز الابداع التي تكاثرت في أيامنا هذه. قد يصلح عمل بحثي مكتوب بالعربية للترجمة بالتأكيد ؛ لكن أعرف من نطاق خبرتي أنّ من الافضل أن لانمنّي النفس كثيراً بسقوف عالية قد تتسبّب في إنخذالنا. هذا هو العالم وتلك سياساته الثقافية السائدة التي تتأثر بعوامل المال والسياسات التسويقية والاعتبارات الجيوسياسية.

أشدُّ على يدَيْ الباحثة الاكاديمية والناشطة المميزة الاكثر اجتهاداً في الحقل الثقافي العام في الفضاء العراقي والعربي، الدكتورة نادية هناوي، التي أثق بأنها ستمتّعُنا بالكثير من مقالاتها وكتبها التي تصلح لتحريك المياه الراكدة في ثقافتنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram