الرئيسية > أعمدة واراء > تأملات حول بدايات الحرب التجارية

تأملات حول بدايات الحرب التجارية

نشر في: 13 إبريل, 2025: 12:01 ص

آلان ماثيو

ترجمة : عدوية الهلالي

من السابق لأوانه معرفة جميع عواقب الحرب التجارية التي شنها دونالد ترامب على العالم أجمع يوم الأربعاء 2 نيسان (يوم التحرير) إذ ارتفعت الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة بنسبة 10٪ على الأقل (المملكة المتحدة)، و20٪ للاتحاد الأوروبي (باستثناء الألومنيوم والصلب والسيارات، والتي بلغت بالفعل 25٪)، و34٪ للصين، وأكثر من 40٪ لفيتنام وكمبوديا ولاوس، إلخ. وكانت معدلات الزيادة هذه ستُحسب "بسخاء" بما يقرب من نصف معدل العجز التجاري للولايات المتحدة مع كل دولة (محسوبًا كنسبة مئوية من الواردات). وكمثال للاتحاد الأوروبي في عام 2024: الصادرات إلى الولايات المتحدة: 532 مليار يورو (خاصة المركبات البرية والطائرات والمنتجات الصيدلانية والآلات والمنتجات الزراعية والسلع الفاخرة)؛ واردات الاتحاد الأوروبي: 333 مليار يورو (منتجات نفطية، أدوية، آلات، معدات كهربائية)، أي عجز تجاري أميركي مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 199 مليار يورو (37.4% من واردات الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وليس 39% كما أعلن ترامب)، ومن هنا جاءت الزيادة بنسبة 20% في الرسوم الجمركية الأميركية على المنتجات الأوروبية.
وبالتالي فإن متوسط التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على السلع في جميع أنحاء العالم سوف يرتفع من 2.3% إلى حوالي 25%، ولن تتاثر كندا، والمكسيك، أما روسيا فستتأثر بالفعل ، اضافة الى الخدمات (حيث بلغ العجز في ميزان التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في عام 2023 نحو 137 مليار يورو)، والمنتجات الصيدلانية، وأشباه الموصلات، والذهب.
ونحن نعلم رد فعل الصين الذي أعلنته يوم الجمعة 4 نيسان بزيادة بنسبة 34٪ في الرسوم الجمركية الصينية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة.وهذا يخلق خطراً على أوروبا فسوف يسعى الصينيون إلى تصدير منتجات إلى أوروبا لن يتمكنوا بعد الآن من تصديرها إلى الولايات المتحدة. ومرة أخرى ردت الولايات المتحدة، ثم الصين، بوحشية على هذه الزيادة الصينية، لكن المفاوضات سوف تفتح.
نحن نعلم أيضًا ردود فعل أسواق الأسهم، والتي كانت جميعها سلبية، لأن القيود المفروضة على التجارة الدولية تُضر بنمو النشاط وأرباح الشركات: فمن 1 إلى 8 نيسان، انخفضت مؤشرات ناسداك وستاندرد آند بورز 500 وكاك 40 بنسبة 10%، ثم شهدت انخفاضًا جديدًا في 9 نيسان. وهذا الانخفاض الجديد، وتوصيات العديد من قادة الأعمال الأمريكيين (بما في ذلك إيلون ماسك، أحد أبرز داعمي دونالد ترامب)، دفعته إلى الإعلان في 9 نيسان عن "تعليق" لمدة 90 يومًا لتطبيق الرسوم الجمركية الجديدة، وبالتالي بدء المفاوضات مع الدول المعنية.
لكننا لانعلم ردود فعل العملاء في الولايات المتحدة تجاه زيادات الأسعار نتيجة لزيادة الرسوم الجمركية. وإلى أي مدى سيخفضون مشترياتهم من المنتجات المستوردة التي أصبحت باهظة الثمن؟ وماردود فعل أغلبية المسؤولين المنتخبين في أميركا على فقدان القدرة الشرائية للمستهلكين الأميركيين (ولكن بعضهم أعرب بالفعل عن عدم موافقته).وما ردود فعل المنتجين الأميركيين إزاء انخفاض المنافسة الأجنبية في السوق الأميركية. إن رهان ترامب هو أنهم سوف يقومون ببناء مصانع جديدة، وخفض البطالة، وزيادة الأجور الأميركية.وقد أدى قانون هاولي-سموت الصادر في 17 حزيران 1930، والذي تم تضمينه في برنامج هوفر الانتخابي الجمهوري، إلى فرض ضريبة بنسبة 59% على 3200 منتج مستورد إلى الولايات المتحدة. فقد تم إقراره على الرغم من المعارضة القوية إلى حد ما. وحاول هنري فورد إقناع هوفر بأن هذا كان "غباءً اقتصاديًا".كما تم تنفيذ هذه السياسة في صيف عام 1930، مما أدى إلى انخفاض الواردات الأمريكية بنسبة 40% في العامين التاليين. وكان جزء كبير من هذا الانخفاض في الواردات الأميركية راجعاً إلى زيادة التعريفات الجمركية، وليس إلى الركود الاقتصادي، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 26% من عام 1929 إلى عام 1932. وكان هذا الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي راجعاً في حد ذاته إلى الأزمة المالية: إفلاس البنوك وتراجع الائتمان. وفي الفترة من عام 1930 إلى عام 1932 انخفضت التجارة العالمية بنسبة تزيد على الثلث. إن تجربة ثلاثينيات القرن العشرين تدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية: هل ستؤدي الحرب التجارية التي شنها ترامب إلى أزمة مالية؟ هل يوقف "توقف" التاسع من نيسان هذه الأزمة المالية؟ لقد قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في الرابع من نيسان: "نحن لا نتوقع احتمال حدوث ركود، ولكن العديد من المتنبئين الخارجيين يفعلون ذلك، وقد رفع العديد منهم احتمال حدوث ذلك"، فقد قالت كريستين لاغارد: "كل حرب تجارية تُنتج خاسرين. ولا أحد رابح".
ولكن ردود فعل الأوروبيين لم تُعرف بعد: زيادات (مستهدفة أو غير مستهدفة) في الرسوم الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة، والقيود المفروضة على التجارة، وعلى نشاط الشركات الأميركية في أوروبا، وخاصة في مجال الخدمات، والغرامات، والضرائب، والإعانات، والوصول إلى الأوامر العامة، والقيود المفروضة على الاستثمارات الأوروبية (المباشرة وسوق الأوراق المالية) في الولايات المتحدة، وما إلى ذلك.لقد قالت جورجيا ميلوني إن تصعيد الرسوم الجمركية سيكون ضارًا بأوروبا وقد أعلن مفوض التجارة الخارجية بالاتحاد الأوروبي أنه يؤيد التوصل إلى "حل تفاوضي" مع نظيره الأمريكي. ويبدو أن أورسولا فون دير لاين تريد أن تجعل من أوروبا "منارة للتجارة الحرة". وتصر على تطبيق اتفاقية ميركوسور. بل إنها اقترحت على الولايات المتحدة إلغاء جميع الرسوم الجمركية على جميع المنتجات الصناعية. (ومن المشكوك فيه أنها ستقدم نفس الاقتراح للصين!)
وكان رد فعل فرنسا، كالعادة، تدخليا، إذ أعلن وزير المالية في الرابع من نيسان أنه "لن يكون هناك المزيد من التخفيضات في الإنفاق العام". وأعلن إيمانويل ماكرون في 3 نيسان أن أول رد أوروبي سيتم الإعلان عنه في منتصف نيسان بشأن الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم والسيارات، يليه رد ثان "قطاعي"، أي ربما فرض قيود على الخدمات الرقمية (GAFAM). ويريد أيضًا "تسريع برامجنا الاستثمارية" (أي زيادة دور الدولة والاتحاد الأوروبي) و"الانخراط في أجندة إزالة الكربون" (أي التوقف عن الإنفاق غير الضروري أو الضار).كما دعا إلى تقليص استثمارات الشركات الفرنسية في الولايات المتحدة. ويتحدث البعض عن حظر نشاط GAFAM في أوروبا. ومن الممكن بالتالي التنبؤ بأن أوروبا لن تكون موحدة في مفاوضاتها مع الأميركيين.وهذا ما يأمله دونالد ترامب، الذي يشعر بالسعادة بالفعل لأن العديد من البلدان طلبت الإعفاء من الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة.
وبالتالي فإن الحرب التجارية التي شنها ترامب ما هي إلا البداية فقط ، وسوف تبدأ المفاوضات. ومن المرجح أن يتراجع دونالد ترامب. وربما يتخلص حتى من مستشاره الرئيسي في هذا المجال، بيتر نافارو، الذي اخترع لإقناعه بصحة قراراته المجنونة، خبيراً اقتصادياً لم يكن موجوداً قط، هو رون فارا (وهو اسم مستعار)، بل ودفع دونالد ترامب إلى التصريح في الثالث من نيسان بأن أسواق الأسهم العالمية ستقفز بعد قراراته!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: زعيم الثقافة

 علي حسين في حواره مع المثقفين العرب الذين شاركوا في معرض اربيل الدولي للكتاب ، قال الرئيس مسعود بارزاني إن : " الثقافة والمعرفة ركيزةٌ أساسية للتفاهم بين الأمم وشعوب المنطقة " .....
علي حسين

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

إياد العنبر سنتان بعد العشرين عاما على تغيير نظام الحكم في العراق، وهذه المرحلة شكلت ولادة جيل كامل، هو الآن في مرحلة الشباب. وجيل آخر، وأنا منهم، كان ينتظر لحظة سقوط الدكتاتورية، وكنا نحمل...
اياد العنبر

غزو العراق.. دلالات الصورة وتأثيرها لكشف الحقيقة

عصام الياسري مع مرور أكثر من عقدين على غزوه، لا زالت صورة المشهد الدرامي عالقة في أذهان العراقيين. ولم ينس أي مواطن عراقي عاش لحظة دخول القوات الأمريكية لاحتلال عاصمة بلاده "بغداد" بدعم دولي...
عصام الياسري

روما على مفترق طرق.. هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

محمد علي الحيدري تتجه الأنظار إلى العاصمة الإيطالية روما حيث من المقرر عقد الجولة الثانية من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران يوم السبت المقبل، في سياق إقليمي مضطرب وتحولات دولية متسارعة. الجولة الأولى...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram