زهير الجزائري
التقيت سامي زبيده مرارا في لندن. في مناسبات عامة، وفي جلسات حميمة. وجه الطفل وبساطة السلوك ضيعت علي عمق الباحث الذي قرأته لاحقاً. لم تكن هوياتنا الدينيةً، ولامرة، موضوع حديثنا، انما قضايانا كعراقيين، وبالتحديد عاداتنا الاجتماعية. بكرمه العراقي دعاني مرة إلىً مطعم صيني ليريني تنويعات أكلة( الباجة) عند شعوب أخرى. إنها في رؤيته أكلة أجدادنا الصيادين الذين مزقوا لحوم الحيوانات بأسنانهم. التاريخ بالنسبة له تاريخا لطعام بمقدار ماهو تاريخ الحكم والقوانين والبنى التحتية.
كمنفيين عراقيين في عاصمة إنكليزية كان الطعام العراقي موضوع حديثنا .يتورد خدّه وتتسع حركات يده حي يدخل مطبخ أجداده. يحيل دخول الدولمة كطبخة مدينية إلى الهيمنة العثمانية المديدة. ويربط تاريخ الشاي كمشروب عراقي، والطماطة في المائدة العراقية بدخول الاستعمار. ضمن نزوعه اليساري المتحرر يضع الطعام في التمايزات الطبقية أضافة للتقاليد الوطنية العامة، نوعية الطعام وطقوس تقديمه. اعتاد أن يطبق معارفه عملياً بأن يطبخ لضيوفه بنفسه. لم أزر بيته في لندن، لكنه واعدني مراراً بأن يطبخ لي ويسمعني مقامات لم أسمعها سابقاً وخلال ذلك ًنتحدث عن البعد الأنثروبولوجي للطعام وطقوسه.
في مناسبة أكاديمية عامة قاطعنا رجل دين بعمامة مقيم في لندن،أراد أن يعلق على مداخلته، لكنه تحرّج من إنكليزيته الفقيرة فالتقطه في صالة الاستراحة. وسأله عن هويته، فأجاب سامي بدون تردد:
-أنا عراقي!
سأله عن دينه:
فأجاب بنفس البساطة والتقائية:
-يهودي بالمولد، لكنني علماني.
السؤال الأخير وبحرّج:
-هل جئت من إسرائيل؟
-لا، اعتبرها نظام عنصري.
صديقي فالحً عبدالجبار يشعر بامتنان شديد له لأنه قدمه للجامعة. جمعني به مراراً في حياته، وربما هو الذي عرفني عليه، لكنه جمعني به على منصة (جاتام هاوس) بعد أيام من رحيله المفجع. البرفسور سامي زبيده أشرف على أطروحته، لكنه قدمه من تحت كمرجع. خلال حديثناعنه اهتم سامي كثيراً بشهادتي عن حياتنا المشتركة في العراق وفي المنافي واستغرب عمق علاقة فالح بالشيوعية العراقية، لانه اعتقده أقرب للإشتراكيين الديمقراطيين منه للشيوعيين. بعد الندوة اقترح علي أن نكتب مقالاً مشتركاً عنه في جريدة(الغارديان). سيكتب هوعن الباحث الأكاديمي واكتب أناعن الجانب الحياتي.
مرةً دعاني بعد قراءة كتابي(المستبد). أخجلني بالمديح أمام حزمة من طلابه الأكاديميين. خلالك لا لأزماتبين صدام حسين والغرب تجوّل سامي زبيده محاضراً بين الجامعات العالمية للحديث بصفته عراقي. سمعت له محاضرتين على الاقل. لم يماشي المتحدثين بالاقتصار على لوم الشرير وحده، إنما الأبعاد الخفية للطموحات المستترة عند الغرب.
بعد أن قرأ كتابي عن النجف، وأعاد قراءته، قرر أن يترجمه مع مقدمة طويلة. في قراءاته وكتاباته اهتم سامي بالحياة اليومية البسيطة مثلا للباس والطعام مؤمناً بانها تعكس هوية الناس، وبالتحديد العراقيين، أكثر مما تعكسها الكتب والمنجزات الثقافية الكبيرة. سألني عن الطقوس الدينية الشيعية ونوعية الأكلات وطقوسها الاجتماعية ومناسباتها. وفاجأني، أنا النجفي، بأنه يجيد طبخ أكلة (الفسنجون) أفضل من امهاتنا النجفيات. اتفقنا معاً على مشروع كتاب يجمع بين الرواية والبحث الأكاديمي، واقترح لي مكانا للكتابة هو بيته الثاني، لا أتذكر إن كان في أسبانيا ام في جنوب فرنسا؟ وقد وصفه لي بانه مكان مثالي للتفرغ يجمع بين الهدوء بعيداً عن المدن المزدحمة ومشاغلها. تنقلاتي بين المدن وتنقلاته بين الجامعات العالمية ضيعت علي الفرصة.
منفاي وتنقلات بيوتي أكسبتني هواية جمع مفاتيح قديمة كنت أشتريها من محلات بيع الإنتيكات. أهديت واحداً منها لسامي وقللت له:
-افترضه مفتاح بيت كالذي تركته في بغداد!
انتزع سامي زبيدة من بيته العراقي وهو في السادسة عشر من عمره، مع ذلك مازال ذاك البيت يسكنه. تأمل المفتاح وهو في راحة يده وعاير وزنه:
-يمكن ان يكون كذلك في زمن جدي، لكن والدي اختصره، مع الأسف، إلى مجرد (سويج). وقد فقدت الإثنين…