أدهشني أحد الناشطين في منظمات المجتمع المدني، قائلاً "أنه أثناء عملية جمع التواقيع لإدانة مشروع سد ايلسيو ذي السعة الخزنية (4ر10 كم3) وبارتفاع (138 م) على نهر دجلة ويبعد 70 كم عن الحدود العراقية، رفض بعض أعضاء المكونات التوقيع.
وكانت الدهشة شديدة كونها وصلت إلى حد التوظيف السياسي الأهوج قصير النظر وهذا ليس عجيباً في ظل سياسات رسخت في العقل الجمعي العراقي وبشكل حاد لحد التهريج بأن مشكلتنا مع جيراننا الثلاثة (تركيا، إيران وسوريا) هي مائية أولاً وأن المذكورين يمارسون أبشع الوسائل المكشوفة وغير المكشوفة لمنع تدفق دجلة والفرات وروافدهما على دجلة. وهذا النهج استعمل بشكل حاد في ظل أزمات أو آخر التسعينات مع سوريا مثلاً.
نعم، أن سياسة الجوار المائية قد يكون فيها ما يجعل موقعنا التفاوضي معهم ضعيفا. حيث ثبت إحصائيا أن حصة الفرد الطبيعية من المياه سنوياً هي (1000 م2) وحصة الفرد العراقي الفعلية هي (2400م3) والسعودية (920 م3) وإيران (1890 م3) وتركيا (2890 م3) وموارد مصر (65 مليار م3) حصة الفرد (700 م3) لذلك أصبح موقفنا بائساً.
وهذا البؤس وظف سياسياً لنقل المعركة وتصديرها إلى الجيران وهذا يحق لنا أن ننقلها إليهم بعد إكمال مستلزماتها ولكننا نهاجم بأسلحة دفاعية قديمة وهذا جزء من الغالب في السياسات العامة تذكرنا بشعارات قومية أكلت الكثير لأن وسائلها وأدواتها كانت ضعيفة ولأنها بدون إرادة حقيقية. أن لم تكن مزيفة.
فمشاكل المياه ليست محلية أو إقليمية بل هي عالمية لها شرعات وقسم منها بنصوص أمره.
فالهدر المائي من خلال طرق السقي التقليدية كان ولا يزال سبباً رئيسياً ليس لشح الماء فقط بل سبب للملوحة في التربة والتغدق وغيرها من الأضرار التي تنتج عن استعمال الماء غير الرشيد. وهذا يعني أن تكون لدينا وسائل ري حديثة (مرشات، بيوت زجاجية ووعي بالحاجات الفعلية).
أما العامل الثاني للهدر فهو عدم تصفية ومعالجة مياه المجاري وذلك انعكس على شكل تلوث في المياه وضرر للأرض مع أمراض خصوصاً في الجنوب الذي يقال أن 80% من أمراضهم أسبابها مياه ملوثة.
كما أن عدم تبطين السواقي أيضاً يبقى سبباً للهدر وتدمير التربة المجاورة تغدقاً وتملحاً. أين نحن من هذا عندما نطالب بحصة مائية بموجب القانون الدولي؟
إنها سياسة رد فعل غير متكافئ وغير متوازن عندما نهدد تركيا أو إيران أو سوريا أو نشتمهم بالإعلام ونهدد بالتبادل التجاري الذي بلغ (12 ملياراً مع تركيا) و(8 مليارات مع إيران) ألم يكونوا هم مستعدين لذلك ثم أن كثيراً من المشاريع التركية والإيرانية أجدى من غيرها اقتصادياً نظرا على الأقل لقصر المسافة وكلفة النقل كما أن مخازننا المائية ما زالت تستوعب أكثر من الحاجة. وعندما يذهب الماء للخليج فهذا أمر طبيعي مثل باقي الأنهر الكبرى حيث يستهلك الماء ويفقد كثيراً من خصائصه في المصبات عموماً وخصوصاً عندنا.
فالسياسات الشعبوية القاصرة لم تصل إلى نتيجة طلية ثلث قرن تقريباً. والالتفاف نحو الحقائق ومكاشفة الناس بذلك وليس التوظيف السياسي الخطر الذي حتى هو يصبح طائفياً عندما تحرك أي ملف هل هذا معقول ونحن في مخاض؟