في الستينات من القرن الماضي اطلع كتاب المسرحية العراقيين على مختلف أساليب الكتابة في الغرب وذلك عن طريق مجلة المسرح المصرية وهي دورية متخصصة وعن طريق سلسلة المسرحيات المترجمة التي كانت ترد من مصر، وأخذوا يطورون كتاباتهم بأمل ان تصل الى مستوى تلك المسرحيات الأجنبية التي قرأوها لأبرز المؤلفين المسرحيين في العالم ومن مراحل تاريخية مختلفة، و قبل ذلك الحين لم تكن هناك مسرحية يعجب بها احد من المخرجين المسرحيين المجددين امثال (جاسم العبودي وإبراهيم جلال وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد) ولكن الكتابات الجديدة التي قدمها كل من (عادل كاظم) و(يوسف العاني) و(نور الدين فارس) و(طه سالم) أثارت اولئك المخرجين ووجدوا فيها ضالتهم ووجدوا فيها بديلاً عن المسرحيات المترجمة.
من الاساليب الكتابية الجديدة التي اطلع عليها الكتاب العراقيون، أسلوب المسرح الملحمي البريختي فراح البعض منهم يحاكي ذلك الاسلوب في كتاباته كما حدث مع عادل كاظم في مسرحيته (الحصار) التي اخرجها (بدري حسون فريد)، ومع يوسف العاني في مسرحيته (المفتاح) التي اخرجها سامي عبد الحميد لفرقة المسرح الفني الحديث.
اطلع المؤلف العراقي على اسلوب المسرح السياسي الوثائقي فحاكاه في عدد من المسرحيات نذكر منها (الخرابة) ليوسف العاني والتي اخرجها سامي عبد الحميد لفرقة المسرح الحديث ومسرحية (انا ضمير المتكلم) لقاسم محمد التي اخرجها للفرقة تلك نفسها.
كان مسرح اللامعقول قد أثار اهتمام المسرحيين العراقيين في تلك المرحلة، أقصد الستينات، وخصوصاً بعدما اخرج سامي عبد الحميد مسرحيتين من هذا النوع من انتاج الجمعية البغدادية وهما (رقابة عليا) لجان جينيه و(في انتظار غودو) لساموتيل بيكيت والتي ترجمها الى العامية العراقية الأديب والناقد الراحل (جبرا ابر
اهيم جبرا)... وحاول البعض من طلبة معهد الفنون الجميلة ان يجربوا حظوظهم مع أسلوب ذلك المسرح الجديد والمعقد، فقام (أحمد فياض المفرجي) بإخراج واحدة من مسرحيات بيكيت ولكنها لم تلفت الانتباه ولكن عندما اخرج محسن العزاوي مسرحية طه سالم المعنونة (طنطل) دهش الكثير من الدارسين والمتفرجين بذلك الأسلوب الغريب الذي كتبت به المسرحية، ودار نقاش قوي وطويل حول طبيعتها وحول ملائمتها لذائقة العراقيين، وقد تأكد لبعض النقاد ان المسرحية تنتمي الى مسرح اللامعقول حيث اتصفت بالعديد من صفات ذلك المسرح الطليعي الذي تبناه كل من الايرلندي (صاموئيل بيكيت) والروماني يوجن يونسكو والفرنسي جان جينيه واللبناني الاصل (جورج شحاده) والاميركي إدوارد آلبي، وقد اكد (طه سالم) تأثره باسلوب مسرح اللامعقول عندما كتب مسرحية اخرى هي (ورد جهنمي) والتي تناولت موضوعا مشابها لموضوعة (طنطل) الا وهو وجود شيطان او شرير في المدينة يجب الخلاص منه، ثم كتب مسرحية (ما معقولة) التي أخرجها سامي عبد الحميد لطلبة أكاديمية الفنون اوائل السبعينات وهي تتطرق الى موضوعة تحوّل الانسان الى ما يشبه الالة في هذا الزمن حيث تسيطر الالة على حياة الانسان، وافترض (طه سالم) في تلك المسرحية ان شخصياتها عبارة عن سجلات تسطر فيها الاوامر والتعليمات وليقوم بتنفيذها الاخرون من غير نقاش او تساؤل او تبرير.
رغم تزايد الرغبة في التجديد لدى المسرحيين العراقيين خلال السنوات الاخيرة من القرن العشرين وتصاعد الحماسية للبحث عن اساليب اخرى مبتكرة يخوضون تجربتهم معها الا ان لغة التقليد والالتزام بالاعراف السائدة، فمسرحية تاريخية مثل (تموز يقرع الناقوس) لعادل كاظم التزمت بقواعد المسرح التقليدي ومسرحية (الشريعة) ليوسف العاني هي الاخرى، كانت ملتزمة بها ومسرحية (ننوس) لقاسم محمد فعلت كذلك، كما ان المخرجين المختلفين لم يتخلوا عن اخراج المسرحيات المترجمة كما فعل بهنام ميخائيل مع مسرحية (رسالة مفقودة) للروماني كارجيان، واخراج (جعفر السعدي) مسرحية شكسبير (بوليوس قيصر) مع شيء من التجديد في اسلوب اخراجها، واخراج سامي عبد الحميد مسرحية كوكتو التقليدية في بنائها (النسر له رأسان) واخراج محسن العزاوي مسرحية شكسبير (روميو وجوليت) واخراج ابراهيم جلال مسرحية احمد شوقي (مصرع كليوباترا) واخراج عبد الرسول الزيدي مسرحية شكسبير (ماكبث). واليوم وقد تعرف شباب المسرح العراقي على نوع جديد من المسرح (الرقص الدرامي) أو (دراما الجسد) عن طريق شاب عراقي مغترب هو (طلعت السماوي) زار بغداد وقدم نموذجاً لهذا النوع من المسرحيات، قام عدد كبير من اولئك الشباب محاكاة ما قدمه طلعت واعتبره البعض انه هو المسرح البديل من غير ان ينتبهوا الى كون هذا النوع من العروض المسرحية يدخل في خانة هامش المسرح، وهنا نشير الى ان الرقص الدرامي او الدراما الراقصة او دراما الجسد في العراق تحتاج الى مزيد من الوقت ومزيد من الجهد ومزيد من التقنيات ومزيد من المعرفة لكي يصبح صيغة مؤثرة على النطاق الواسع.
تأثر الكاتب العراقي بأساليب مسرح الغرب!
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...