حين كانت مشاهد العرض الكروي الخلاب في نهائي رابطة المحترفين في انكلترا تتوالى بكل تقلباتها العجيبة، مرّت في الذهن فصول رائعة توفيق الحكيم (السلطان الحائر).. والمقاربة الوحيدة هنا تكمن في التسمية، لا في شكل الوقائع ، وفق ما ظهر عليه النجم السويدي زلاتان ابراهيموفيتش وقدرته على صنع الفارق وصناعة الحدث وهو في الخامسة والثلاثين والنصف من عمره، مؤكداً أن لقب (السلطان) الذي يُطلق عليه منذ عام 2004 استحقاق منطقي وعملي للاعب يعرف ماذا يريد، ويتجه دون تردد صوب هدفه، ويملك قراره أمام المرمى، وذلك خلافاً لما كان عليه السلطان المملوك في مسرحية الحكيم والذي كان يعبث به مصير البيع في ساحة عامة!
التحوّلات الصعبة هي التي ترفع شأن اللاعب، فيصبح نجماً أو أنه يضيع في زحامها، وهنا تحضر الإرادة المقترنة بالخبرة لكي تعطي الدليل على الرغبة في مواصلة العطاء برغم التقدم اللافت في السن.. حتى أن البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب مانشستر يونايتد قال بالفم المليان عشية المباراة النهائية أمام ساوثهامتون (إن المدرب الذي يملك سلاح مايكل كاريك في قلب الميدان وإبراهيموفيتش أمام المرمى، لا يمكن أن يخشى شيئاً، وبالنتيجة فإن كرة القدم حافلة بالمفاجآت والمتغيّرات، ولا استطيع أن أقول إنني ذاهب إلى ويمبلي للتتويج، غير أن الأمر الراسخ عندي أن لديّ كاريك وإبراهيموفيتش)!!
في هذا الموسم، قلب (السلطان) السويدي ما يمكن أن نطلق عليه متطلبات المهاجم وأدواته في كرة القدم، وأهمها سلاح اللياقة البدنية العالية والقدرة على مزاحمة ومكاتفة - وربما مخاشنة الخصوم - حين يقتضي الحال.. والعجب هنا أنه جاء من باريس سان جيرمان بصفقة مجانية بكل ما للكلمة من معنى، فالمان يو لم يدفع للنادي الباريسي فرنكاً فرنسياً أو جنيهاً استرلينياً واحداً، وفي نفس إبرا كانت القضية محسومة في وجدانه.. قضية البحث عن فريق يجد فيه نفسه ، ويحقق فيه تطلعاته، ويمضي فيه ما تبقى من عمر كروي افتراضي.. ولم يكن المانيو خاسراً في هذه الصفقة المجانية ، فبعد مواسم متعثرة أعقبت رحيل مدربه العظيم السير اليكس فيرغسون جاء موعد الحصاد ولو في إطار محلي ضيق بعيداً عن التتويجات الأوروبية.. أما السلطان زلاتان فكانت الوقائع تتحدث بالنيابة عنه.. فقد أحرز حتى الآن 26 هدفاً في 38 مباراة لعبها مع الشياطين الحمر، وبلغ مجموع المباريات التي خاضها في تجاربه الاحترافية مع ثمانية أندية (509) مباريات سجل خلالها (419) هدفاً.. وهذا حصاد لا يمكن أن يحققه لاعب مهاجم واحد على نحو متواصل، وهو يخوض تجارب احترافية متباينة في أجواء كروية أوروبية مختلفة!
نتحدث دوماً عن اللاعب العجوز الذي يجب أن يعتزل ويحمل عصا الرحيل.. في كثير من الظواهر العالمية لا يصح مثل هذا الحديث حين يحرص النجم على أن يصون نفسه من منزلقات النجومية والشهرة.. وهذا بالضبط الواجب المنوط بالخبرة حين تواصل العطاء في الميدان الصعب.. وإبراهيموفيتش جانب واحد من المشهد الفسيح الذي يعيش من حولنا في العالم كله.. فليس كل لاعب (عجوز) عالة على فريقه وعلى جمهوره وعلى تاريخه.. تماماً مثلما لا يحمل لنا أي لاعب كبير في السن نموذج الإبداع، فقد يصبح هنا مشكلة حقيقية لفريقه ولنفسه!
الفرق واضح بين النموذجين والمعنيين.. أنا شخصياً أفرح بنموذج السلطان إبرا وهو يزدهي بعد كل هذا العمر، مصداقاً للمثل الذي يردده أشقاؤنا المصريين (الدهن في العتاقي)!!
السلطان الحائر!
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2017: 09:01 م