اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بعبارة أخرى: الوفاء .. للإخفاقات!!

بعبارة أخرى: الوفاء .. للإخفاقات!!

نشر في: 28 يناير, 2019: 07:10 م

 علي رياح

كان عليّ أن اتماسك وأن أخفي ملامح الوجع والذهول والغضب . فأنا أقف أمام الكاميرا لألتقي عبر الشاشة ملايين المشاهدين ، ناقلاً إليهم نبض ما يجري في ملعب آل نهيان دبي ، بينما كان محمد عامر العزاوي يربض بالقرب مني وقد حاول أن يسدل الستارة على وجهه وأن يجهش في البكاء ، ولم تكن ستارته في هذا الموضع والحال إلا كاميرته التي اشتراها من حر ماله فصارت رصيده ، ومصدر زرقه وإبداعه ، ثم تحوّلت في هذا الحدث المؤلم إلى حضن دافئ يهرب إليه العزاوي بدموعه ويختفي خلفه مغالباً الكثير من المشاعر المحبطة غير الدموع وغير الآهات!
كنت أرى الرجل وقد سكب الدموع كأنها الأنهار المتدفقة ، ولم أكن أملك القدرة على مواساته ، فقد كنت أتحدث عبر الربط المباشر مع استوديو المباراة ، لكن قلبي كان يشاطره الدمع ، شعوراً بالخيبة من مآل المنتخب ، وإشفاقاً على وجع هذا المصور الذي امتزجت عدسته في خاتمة المطاف بالدموع ولم يكن عليه أن يمسحها من على وجه الشاشة ، إنما استبقاها كشاهد على يد العبث التي امتدت لتقتل آمالنا الكروية الإنسانية ، مثل كل مرة .. كأنها تعبر عن وفائها المطلق للإخفاقات!
ولكني وبعد أن توقفت الدموع ولم تهدأ المشاعر في الملعب ، كنت أجول في أرجاء الملعب مفتشا عن تلك العيون التي ذرفت دمعا لا يملك بعض لاعبي النكبة وكل المسؤولين عن كرة القدم العراقية القدرة على أن يذرفوه ، فلقد اعتادت كرة القدم أن تكون مصدر الفخر والسمعة والعزوة الشخصية لهم ، ولم يكن لهم يوما أي مشاعر تتعلق بالحزن الحقيقي حين يقع التعثر ، إن لم نقل الكارثة .. فهم في الأصل سيتحركون في (همة) عالية لحصر الأضرار التي لحقت بهم ، وسيسارعون إلى إلهاء الناس بالمشاهد الجانبية التي لا صلة لها بالسياق القاتل للأحداث على الميدان ، من قبيل رواية بسام الراوي وغيرها من المشاهد التي تحولت بالفعل إلى وسائل لتبرئة المتسبب الحقيقي في هذه الكارثة!
كنت أجول في الملعب ، والقي نظرة فاحصة على المدرجات ، وأجد عوائل كريمة محترمة أعرفها جيدا وأدرك حجم انتمائها إلى العراق وقد انخرطت في مآتم حقيقية لم ترصدها الكاميرات ولم يأت بها التلفزيون إلى بيوت الناس في كل مكان .. كنت أرى فيهم ألف محمد عامر العزاوي ، وكنت أدرك أن ما أصاب المصور العراقي النبيل قد أصابهم وأكثر ، فالعزاوي قد يدرك لاحقاً أن الكرة فوز وخسارة ، وإن هدفاً واحداً يحسم موقعة ، وأنه لا بدّ في النهاية من منتخب يستمر في البطولة وآخر مودعها مهما يكن حجمه أو مهما تكن قدراته أو آماله .. لكن تلك العوائل لم تكن تعرف من تلك المباراة غير مفردة سامية واحدة .. (الـعـراق) .. ولم يكن يدر في خلد أي فرد فيها أن المباراة ستتحول من كرة القدم إلى مغالبة الدموع ، ومن الهدف الذي يصيب الشباك إلى الرمية التي تصيب الفؤاد!
غابت شمس الكرة العراقية في نتاج الرحلة على ملاعب الشارقة ودبي وأبوظبي .. غابت بفعل فاعل معروف لنا ، لن تزيده الإخفاقة إلا رسوخاً في مكانه فيما تهتز مشاعر الناس وتخرج عن سياق الكرة إلى الوجع الوطني الشامل .. لكن ما لن يغيب عن عيني وفكري وقلبي بعد اليوم أن العراقي متصل حقيقي بوطنه ، مرتبط صميمي بأرضه حتى لو أخذته الدنيا واشتطت به إلى بعد نقطة على وجه الأرض!
رأيت في ملعب آل نهيان مغتربين ومهاجرين ومقيمين في دنيا الله ، هم أشد ارتباطا بالبلد ممن تسببوا في نكبتنا الكروية ، وممن ألحقوا الأذى ، وأي أذى ، بسمعة البلد الذي يتبجحون بالانتماء إليه!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram