من الواضح لمن يقرأ لسان العرب أنهم أطلقوا على التمثال ثلاثيّ الأبعاد لفظ الدُمْيَة. وهذا غريب قليلاً للوهلة الأولى. .فالدُّمْيَةُ هو الصَّنَم أي التمثال، وقيل الصورة المُنَقَّشة في العاجُ ونحوه، وقال كُراع هي الصورة فعَمَّ بها. ويُقصَد بالصورة ما نسميه اليوم التمثيل représentation، في الرسم والنحت كليهما.
والدمية تمثالٌ صغيرٌ يُضْربُ به المثلُ في الحسن. وهناك كتاب للباخرزي بعنوان «دمية القصر". فلماذا لم يُفرّقوا بين لعب الأطفال والتماثيل؟
الأمر الأول، يختلف الأمر بالحجم. كلاهما ثلاثيّ الأبعاد. وكلاهما يُبالَغ بجماله، فلنقلْ بتجميله. لذا علينا الشكّ بالصور النمطية التي تُصوّر لنا تماثيل العرب قبل الإسلام بأساليب بدائية. كانت الأساليب جميعا مُتساكِنة. النصوص الكثيرة تبرهن ذلك. ففي صفة النبيّ أنه (كان عنقه عنق دُمْيةٍ)؛ والدُّمْية هي الصورة المُصورَّة لأَنها يُتَنَوَّقُ في صَنْعتِها ويُبالغ في تَحْسِينِها. ومن كلامهم (نِساءٌ كالدُّمَى) والمقصود تمثالٌ صغيرٌ يُضْربُ به المثلُ في الحسن. ويقال للمرأَة الدُّمْيَةُ، وقول الشاعر (والبِيضَ يَرْفُلْنَ في الدُّمى والرَّيْطِ والمُذْهَبِ المَصُونِ) يعني ثياباً فيها تصاوير. قال رؤبة يصف الغواني (مِثْلُ الدُّمى تَصْوِيرُهُنَّ أطْواسْ - ومِرْفَلُ العَيْشِ رِفَلٌّ مَـيّاسْ). وقال سحيم( وما دُمْيةٌ من دُمى مَيْسَنا - نَ، مُعْجِبةً نَظَراً واتِّصافا) - ويروى وما قرية- أما في الأندلس، حيث الكنائس التي تنتصب بها تماثيل مريم العذراء المُزوَّقة، فقد أكْثَرَ الشعراء الكلام عن جمال (الدمى = التماثيل). قال ابن عبد ربه:(يا دُمْيَة ً نُصِبَتُ لِمعْتكِفِ - بل ظبية ً أوفَتْ على شرفِ. بَل دُرَّة ً زهراءَ ما سَكَنَتْ - بحراً ولا اكتَنَفتْ ذرى صدفِ. أسرفتِ في قتلي بلا تِرَة ٍ- وسمعتِ قولَ اللهِ في السَّرفِ).
لكن تسمية الدمية بمعنى "لعبة الأطفال" حصرياً والدمى بمعنى (العرائس) كما يُقال في مصر، ظهرت في وقت متأخر نسبياً. ففي عصر النبي يروى عن عائشة: كُنْتُ أَلْعَبُ بالبنات [تقصد الدمى]، وكان لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ معي. ومن هذه "البنات" فرس مربوط له جناحان. وفي كتاب الأحكام السلطانية للماوردي (ت 1058م)" "وأما اللُّعب [حمع لعبة أي دُمية أطفال] فليس يُقصد بها المعاصي، وإنما يقصد بها إِلْفُ البنات لتربية الأولاد؛ ففيها وجهٌ من وجوه التدبير...”. لم يرد، حسب استقصائنا، حتى القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين اسم الدمية كلعبة للأطفال حصرياً. في سيرة المتنبى (ت 965م) أن مجلسا جمع المتنبى وبدر ابن عمار الذي كان يغار من المتنبى ويحسده، فأتى بدمية لها شَعْر في طولها تدور على لولب واحد رجليها مرفوعة وفي يديها باقة ريحان وهي تُدار على الجلّاس فإذا وقفت حذاء أحد نقرها فدارت، ولما شاهدها المتنبى قال: (وجارية شعرها شطرها - محكمة نافذ أمرها . تدور في كفها طاقة - تضمنها مكرها شبرها). وهنا دليل أن الدمية كانت تُصنع على نحو متقدّم تقنياً. السؤال مطروح في تاريخ الفن بالأحرى: متى كفّ أن يكون للتمثال وظيفة مباشِرة صريحة، أيّاً كانت طبيعتها، واكتفى أن يُشْبع الضرورة الجمالية الخالصة وحدها؟
أخيراً، لماذا جاءت مفردة (دمية) تحت مادة دَمِي وهذه من الدم والدماء؟ في تقديري لسببين، الأول لارتباط الدُمية أي التمثال = الصنم بدماء القرابين. ففي حديث الوليد بن المُغِيرَة (والدَّمِ ما هو بشاعر)، يعني النبي؛ هذه يَمينٌ كانوا يحلفون بها في الجاهلية يعني دَمَ ما يُذْبَح على النُّصُبِ. ومنه الحديث (لا والدِّماءِ) أَي دماءِ الذِّبائِحِ، ويُرْوى (لا والدُّمى)، جمع دُمْيَةٍ وهي الصورة ويريد بها الأَصْنام. وهذا الألتباس في نقل الحديث يشير إلى التباس مُماثل في علاقة الدمية بالدم. الثاني، ارتباطه بحمرة الدم. في اللسان المُدَمَّى هو الثوبُ الأَحْمَر. والمُدمَّى الشديد الشُّقْرة. ومن الخَيْلِ الشديدُ الحُمْرَة شبه لَوْنِ الدَّمِ. وكلُّ شيءٍ في لوْنهِ سَوادٌ وحُمْرة فهو مُدَمّىً. وكل أَحْمَرَ شديد الحمرة فهو مُدَمّىً.
في تاريخ الفن: الدُميْة والتمثال
نشر في: 16 أكتوبر, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
بارزاني يؤكد دعمه لرئيس القضاء: نرفض أي طعن يمس سمعته
بغداد.. الاطاحة بشخص يمتهن "الدكات العشائرية" مقابل مبالغ مالية
القانونية النيابية لـ(المدى): القوانين المعطلة في البرلمان تحتاج الى توافق سياسي
استقدام 3 مسؤولين في الديوانية بتهمة هدرٍ ومغالاةٍ في المال العام
بثنائية نظيفة.. منتخب شباب العراق يفوز على نظيره اللبناني
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)