ذي قار / حسين العامل
كشفت إدارة محافظة ذي قار عن حجم المعاناة التي يواجهها سكان قضاء سيد دخيل (20 كم شرق الناصرية) من جراء تفاقم ازمة المياه واثار الجفاف، وفيما اشارت الى نزوح نحو 50 بالمئة من سكان قرى القضاء المذكور، تحدثت عن مباحثات لتعزيز الشراكة الدولية لمواجهة التغيرات المناخية والتحديات البيئية.
يأتي ذلك في ظل اسوأ موجة جفاف تمر بها البلاد ومحافظة ذي قار التي اخذت تفقد مساحات واسعة من اهوارها واراضيها الزراعية وتواجه نزوحا سكانيا كبيرا بين اوساط الفلاحين والصيادين ومربي المواشي الذين باتوا يواجهون مخاطر جمة اخذت تنعكس سلبا على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتهددهم بالحرمان من مصدر دخلهم الرئيس.
وكشف رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس محافظة ذي قار سالم عجمي الإسماعيلي عن نزوح سكاني واسع في المناطق التي تعرضت للجفاف ولاسيما قضاء سيد الدخيل الذي صنفته الحكومة المحلية كمنطقة منكوبة، وأوضح لـ(المدى) قائلا ان "المناطق تصنف على انها منكوبة في حال تعرضها الى كوارث طبيعية ومن بينها الجفاف"، مبينا ان "المنطقة التي تسجل نسبة جفاف 37 بالمئة تصنف كمنطقة منكوبة وان هذه النسبة تجاوزت حاجز الـ 50 بالمئة في قضاء سيد دخيل".
وتحدث الإسماعيلي عن اثار الجفاف على سكان القضاء المذكور الذي يقدر عدد نفوسه بنحو 100 ألف نسمة، مبينا ان "القضاء شهد نزوح وهجرة اكثر من 50 بالمئة من سكان القرى الذين توجهوا الى محافظات كربلاء والبصرة ناهيك عن مركز محافظة ذي قار ومناطق اخرى"، واردف ان " لم تجرِ معالجة أسباب الجفاف سياتي يوم ونجد فيه القضاء المذكور عبارة عن ارض مهجورة".
ويجد رئيس اللجنة المالية والاقتصادية ان "اعلان القضاء كمنطقة منكوبة من قبل الحكومة المحلية يأتي لتحفيز الحكومة المركزية على الالتفات لحجم معاناة السكان المحليين الذين يكابدون اثار الجفاف واتخاذ تدابير عاجلة لمساعدتهم"، واقر الإسماعيلي بعجز امكانيات الحكومة المحلية في مجال تدارك اثار الازمة، داعيا الى زيادة الاطلاقات المائية وانشاء محطات لتزويد المواطنين بالمياه في المناطق التي تقع في أطراف قضاء سيد دخيل وتلك التي تقع في ذنائب الأنهر.
مبينا ان "مناطق القضاء المذكور مناطق واسعة وهي بحاجة الى توفير المياه لسكانها لتدارك ارتفاع معدلات النزوح"، مقترحا حفر ابار ارتوازية لمعالجة اثار الجفاف في ظل ازمة المياه وتذبذب مناسيب الاطلاقات المائية من دول الجوار.
ويرى الإسماعيلي تعذر إيجاد حلول آنية سريعة لمشكلة الجفاف، ويعتقد ان الحل الناجع في الوقت الحاضر يتمثل بحفر المزيد من الابار الارتوازية والاعتماد على المياه الجوفية في تغطية حاجة السكان المحليين من المياه.
ومن جانبه أشار معاون محافظ ذي قار لشؤون التخطيط، رزاق العلي الى مباحثات مع منظمات دولية لتعزيز الشراكة في مجال مواجهة التغيرات المناخية والتحديات البيئية وأوضح العلي خلال استقباله وفد يضم ممثلين عن منظمة (GIZ ) الألمانية ومدير المعهد الكندي للتغيرات المناخية أن "المباحثات تناولت تحديث السياسات المحلية والمركزية المتعلقة بإدارة ملف المياه، وإمكانية توسيع المساحات الخضراء لمواجهة آثار التغير المناخي"، مؤكدا في تصريحات صحفية تابعتها المدى على أهمية معالجة المياه الملوثة وتعزيز الالتزام بالمعايير الدولية في المشاريع البيئية.
وتطرق معاون محافظ ذي قار الى بحث آليات دعم برامج التدريب وتطوير الكوادر الحكومية، منوها الى أهمية بناء قدرات مستدامة في مجال إدارة الموارد المائية والبيئية، وتوفير الدعم الفني للمشاريع المستقبلية في المحافظة.
ويجد العلي ان تدارس اثار التغيرات المناخية مع المنظمات الدولية من شانه ان يعزز الشراكة الاممية في مواجهة التحديات البيئية التي تعصف بالمنطقة، ولاسيما ان محافظة ذي قار تواجه أزمة مياه وتراجع في المساحات الخضراء.
وكان مجلس محافظة ذي قار قد أعلن مؤخرا عن تصنيف قضاء سيد دخيل مدينة منكوبة، وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس محافظة ذي قار، أحمد سليم، أن "مجلس المحافظة قرر إعلان قضاء سيد دخيل مدينة منكوبة بسبب أزمة المياه الحادة التي يعاني منها القضاء"، مبينا ان "شحة المياه في القضاء المذكور بلغت مستويات غير مسبوقة أثرت على حياة المواطنين والزراعة والثروة الحيوانية.
يشار الى ان دائرة الهجرة والمهجرين في ذي قار كشفت يوم (28 تشرين الاول 2024) عن تسجيل نحو 10 الاف عائلة نازحة من مناطق الاهوار ومناطق اخرى التي تعرضت للجفاف والتصحر والتغيرات المناخية، وفيما اكدت تقديم معونات اغاثية لـ 9600 عائلة من العوائل المذكورة.
وكان مسؤولون محليون ومنظمات مجتمعية في ذي قار حذروا في آب 2023 من ارتفاع معدلات النزوح السكاني الناجم عن الجفاف وشح المياه في مناطق الاهوار والارياف، مشيرين إلى أثر النزوح على حياة السكان المحليين والمدن التي ينزحون لها.
وفي وقت سابق حذر مسؤولين وسكان محليين في مناطق الاهوار من تراجع القدرة الشرائية للسكان في المناطق التي تواجه مخاطر الجفاف، مشيرين الى حالة كساد غير مسبوقة في الاسواق المحلية بسبب فقدان معظم السكان لفرص عملهم، فضلاً عن انهيار اسعار العقارات وانخفاض اسعارها الى النصف وسط رغبة شديدة للنزوح.
وكانت موجة الجفاف التي شهدتها مناطق الاهوار خلال الأعوام المنصرمة قد اسفرت عن ارتفاع معدلات البطالة بين سكان اهوار الناصرية الى أكثر من 60% بعد ان فقد معظم العاملين في مجال تربية الجاموس وصيد الاسماك والاعمال الحرفية فرص عملهم نتيجة زحف التصحر والجفاف الذي طال أكثر من 90% من المناطق التي كانت مغمورة بالمياه. وتشكل الأهوار خمس مساحة محافظة ذي قار وهي تتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 22 تضمها المحافظة، إذ تقدر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينيات القرن الماضي، بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية، إلا أن هذه المساحة المغمورة سرعان ما تتقلص بصورة كبيرة بعد كل أزمة مياه تمر بها البلاد.