الرئيسية > محليات > روايتان متناقضتان.. أهالي الهارثة يشكون تسرب النفط إلى مياههم "النفط الأسود وصل إلى المنازل"! 

روايتان متناقضتان.. أهالي الهارثة يشكون تسرب النفط إلى مياههم "النفط الأسود وصل إلى المنازل"! 

نشر في: 14 إبريل, 2025: 12:02 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

في منطقة الهارثة شمالي البصرة، تتكشف فصول أزمة بيئية خطيرة وسط تضارب التصريحات الرسمية وغضب شعبي. فبينما تؤكد الجهات المعنية أن حادث التسرب النفطي في محطة الكهرباء كان محدودا وتمت السيطرة عليه، ينقل الأهالي روايات مختلفة ومقلقة عن استمرار التلوث، وانتشار الأمراض، ووصول بقع النفط إلى أنابيب المياه داخل المنازل.
وبينما تصر وزارة الكهرباء على أن المياه "خالصة من أي تلوث"، وتقلل شركة إنتاج الجنوب من شأن حادثة تسرب الوقود في محطة كهرباء الهارثة، واصفة إياها بأنها "تسرب طفيف تم احتواؤه خلال ساعات"، يخرج صوت المواطن ليكذب الرواية الرسمية بشدة.
ستار السعدي، أحد أبناء المنطقة، يقف شاهداً على مشهد مختلف تماما، ويقول بغضب واضح: "الدهن تارس الشط". ويضيف: "التلوث لا يزال مستمرا، وهذه ليست المرة الأولى حيث انتشرت الأمراض الجلدية بكثرة، خاصة بين أهالي أبو ملح في أهوار المسحب بالهارثة". يصف السعدي الوضع بأنه كارثي، ويؤكد غياب التحرك الحكومي في البصرة، متسائلا عن مدى جدية التصريحات الرسمية.
"هذا كله كذب"، يصر السعدي. "بعد الحادثة ولأكثر من ثلاثة أسابيع، تعمل كوادر نفط البصرة وهيئة الصحة والسلامة في موقع التلوث.. أين السيطرة الفورية التي تحدثوا عنها؟". ويقترح إجراءات وقائية كان يجب اتخاذها منذ البداية، مثل بناء ساتر ترابي عند حدود محطة الهارثة مع شط العرب، وحفر حفرة مبطنة لتخزين النفط في حالات الطوارئ. كم أشار الى ان العديد من المنازل وصلها النفط الأسود في انابيب المياه!
ولم تكن الهارثة وحدها في مرمى الانتقادات. ففي الزبير، حيث تتوهج شعلة الغاز القريبة من المفتية ليلا ونهارا، يبدو المشهد مشابها. الدخان يلف الأحياء، ويخنق الأهالي الذين يعيشون وسط صمت حكومي مطبق. "هل يعقل أن الشعلة تلوث المدينة بأكملها دون أن يتحرك أحد؟"، يتساءل البصري بحنق، مضيفا: "في الصيف، مع انقطاع الكهرباء، لا يمكنك حتى الخروج من بيتك بسبب الدخان".
في أعقاب الحادثة البيئية تحدث جعفر صينخ، عن حيثيات الحادث، والإجراءات المتخذة، وموقف المجلس من التطورات الجارية ووصف صينخ الحادث بأنه "مؤسف وخطير"، مشيرا إلى أن بقعة التلوث لم تقتصر على منطقة التسرب فحسب، بل امتدت لتطال قناة المياه المغذية لمياه الإسالة ومياه التبريد، حتى وصلت إلى شط العرب، مما يهدد أحد أهم الموارد المائية في المدينة.وأكد لـ(المدى)، أن "الاستجابة الميدانية كانت سريعة ومحترفة"، مثمنا الجهود التي بذلتها شركة نفط البصرة، وبالأخص هيئة الصحة والسلامة والبيئة وفرق الاستجابة السريعة، حيث تم الشروع مباشرة بإجراءات احتواء التلوث". وأوضح أن تلك الإجراءات شملت استخدام الحواجز المطاطية، والمشتتات الكيميائية، والمضخات المتخصصة، في محاولة لمنع اتساع رقعة التلوث والسيطرة عليه بأسرع وقت ممكن.
وفي سياق الحديث عن الأسباب، بين صينخ أن التقارير الفنية الأولية تشير إلى أن الحادث نجم عن خلل تشغيلي في محطة الكوت الكهربائية، التي توقفت عن العمل بشكل مفاجئ، مما تسبب بتسرب وقود تشغيل المراجل إلى منظومة الإطفاء، ومن ثم إلى مجرى المياه، نتيجة فقدان ضغط الهواء الذي يتحكم بصمامات التحكم.
وأشار صينخ إلى أن هذه الحادثة كشفت عن ثغرات خطيرة في أنظمة التشغيل والتصميم، داعيًا إلى مراجعة شاملة وفورية لهذه المنظومات، وفصل خطوط الوقود عن منظومات المياه، بما يمنع تكرار هذا النوع من الكوارث مستقبلاً.
كما عبر عن تأييده الكامل لموقف فرق الاستجابة التي شددت على أن تدخلها جاء بدافع الواجب الوطني، لكنها لن تكون قادرة على الاستمرار في أداء مهامها ما لم تُتخذ إجراءات حقيقية وجذرية من قبل الجهات المشغلة. وأكد أن الجهات المعنية مطالبة بإرسال التقارير الفنية إلى إدارة الشركة ومجلس المحافظة لمتابعة الإجراءات القانونية والإدارية بحق المتسببين.
وأضاف: "محافظة البصرة تستحق بيئة نظيفة وآمنة، ونحن في مجلس المحافظة لن نتوانى عن متابعة هذا الملف، ومحاسبة كل من تسبب في هذا الضرر الجسيم".
في ظل تصاعد المخاوف من التدهور البيئي الذي تشهده محافظة البصرة، كشف مصدر حكومي مطلع، فضل عدم الكشف عن هويته، عن تفاصيل تتعلق بموقع محطة كهرباء الهارثة ودورها في الأزمة البيئية المتفاقمة. أوضح المصدر أن محطة الهارثة تقع ضمن القاطع الزراعي الخاضع لإشراف مديرية الزراعة في منطقة الهارثة، مشيرا إلى وجود وحدة بيئية تابعة لهذا القاطع مكلفة برصد مستويات التلوث ورفع تقارير دورية وشهرية إلى مديرية الزراعة في البصرة. وبدورها، تقوم المديرية بإرسال هذه التقارير إلى الجهات المعنية لمتابعة الوضع.
وأضاف المصدر في حديثه لـ(المدى) أن أحد أبرز مصادر التلوث البيئي حالياً يتمثل في محطات توليد الطاقة الكهربائية، لا سيما تلك التي تعمل وفق النظام الحراري. وأوضح أن هذه المحطات تعتمد على كميات هائلة من المياه لتشغيل أنظمتها، مما يؤدي إلى تصريف كميات من الفضلات والسوائل الملوثة بشكل مباشر إلى شط العرب، ما يُعدّ سببًا رئيسًا في تفاقم الوضع البيئي في المنطقة.
وأشار إلى أن هذا النوع من التلوث لا يمر دون عواقب، حيث يهدد بشكل مباشر البيئة الزراعية والمائية، ويترك أثرا سلبيا على جودة المياه وصحة السكان في المناطق القريبة من مواقع التصريف.
وغي سياق الحديث عن الاضرار البيئية، أكد د. جاسم المالكي، عضو المكتب الاستشاري في نقابة المهندسين الزراعيين في البصرة، أن ما يحدث اليوم في هذا النهر الحيوي ليس أزمة طارئة، بل نتيجة تراكمات عمرها عقود من الإهمال وتعدد مصادر التلوث، دون أن تُقابل بإجراءات حقيقية وفعالة.
وفي حديثه لـ(المدى)، أوضح المالكي أن الموقع الجغرافي الحساس لشط العرب – كونه المصب الأخير لنهري دجلة والفرات – جعله نقطة تجمّع لكل الملوثات القادمة من المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية. وأضاف أن ضعف التصريف المائي وعجز النهر عن دفع هذه الملوثات نحو الخليج العربي جعلا الوضع أكثر تعقيدا، ما ساهم في تراكم الرواسب والملوثات في مجرى النهر بشكل مستمر.
وأشار إلى أن أحد أخطر العوامل التي عمّقت هذه الأزمة هو توغل اللسان الملحي من الخليج العربي نحو أعالي شط العرب، نتيجة انخفاض مناسيب المياه العذبة. وأوضح أن العلاقة بين التوغل المالح والتصريف المائي عكسية تماما؛ فكلما انخفضت كمية المياه، ازداد توغل الملوحة، الأمر الذي أدى إلى كوارث بيئية واضحة، منها نفوق أنواع متعددة من الأسماك العذبة، وتراجع التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى أضرار جسيمة على الزراعة، خاصة في مناطق الفاو، السيبة، أبو الخصيب، وشرقي البصرة.
وتابع المالكي أن التلوث لا يقتصر على المصدر المالح أو الصناعي فقط، بل يتضاعف بسبب مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تُلقى مباشرة في شط العرب أو عبر الأنهار الفرعية التي تحولت عمليا إلى مكبات للملوثات. كما لفت إلى خطورة مياه البزل الزراعي القادمة من الأراضي القريبة، والتي تُفرغ محتواها المالح والمترسب في النهر دون تصريف منظم أو منظومة تحكم مناسبة، مما يؤدي إلى تلوث إضافي، خاصة خلال فترات المد العالي.
وبين أن محطات توليد الطاقة الكهربائية في البصرة، وعلى رأسها محطة الهارثة، تلعب دورا إضافيا في أزمة التلوث، موضحا أن عمليات الصيانة فيها كثيرا ما تتسبب بتسرب المياه الصناعية المحملة بملوثات نفطية ومواد كيميائية إلى مجرى النهر. وقال إن ذلك التلوث يظهر في شكل بقع زيتية على سطح المياه، كما حدث مؤخرًا قرب محطة الهارثة، وهو ما أثر سلبًا على الحياة المائية، وتسبب بتوقف أنشطة الصيد في المنطقة لفترة من الزمن.
واكد أن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل أو المعالجات السطحية، مطالبا بـ"حلول حقيقية وعاجلة لمعالجة هذه الملوثات"، لافتًا إلى أن تداعياتها لا تقتصر على البيئة، بل تمتد مباشرة إلى صحة الإنسان، من خلال تأثيرها الكبير على محطات سحب وتحلية المياه التي تعتمد على شط العرب كمصدر رئيسي لمياه الشرب لسكان البصرة.
وقالت لجنة الزراعة والمياه النيابية في بيان تابعته "المدى"، ن "هذا التلوث يشكّل تهديداً مباشراً للبيئة المائية والصحة العامة، ويؤثر سلباً على الثروة السمكية ومصادر المياه المستخدمة من قبل المواطنين". وأضافت "تعد هذه مخالفة صريحة وواضحة لقانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، وكذلك مخالفة للمادة 33 أولاً وثانياً من الدستور العراقي، والتي أكدت وبشكل واضح وصريح على ضمان السلامة البيئية وحماية التنوع البيئي، مما يستوجب تحركاً فورياً من الجهات المختصة".
وأشارت إلى، أنها "تعلن اتخاذ الإجراءات اللازمة بشكل عاجل، حيث سيتم إرسال كتاب رسمي إلى مكتب رئيس الوزراء، ووزارة البيئة، ووزارة الموارد المائية، ووزارة الكهرباء، بالإضافة إلى محافظة البصرة، لمطالبتهم باتخاذ التدابير الفورية لمعالجة هذا التلوث ومحاسبة الجهات المقصرة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض اربيل للكتاب

مقالات ذات صلة

أكثر من 10 آلاف كلب سائب يهددون حياة أهالي ذي قار.. والتخصيصات تعرقل إطلاق حملة لمكافحتها
محليات

أكثر من 10 آلاف كلب سائب يهددون حياة أهالي ذي قار.. والتخصيصات تعرقل إطلاق حملة لمكافحتها

 ذي قار/ حسين العامل حذرت مديرية بيئة محافظة ذي قار من مخاطر أكثر من 10 الاف كلب سائب باتت تهدد حياة الأهالي في المحافظة المذكورة، داعية الى تبني حملات مستمرة لمكافحتها، وفيما اكدت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram