الديمقراطية القسرية تواجه الفشل في العراق

آراء وأفكار 2013/01/28 08:00:00 م

الديمقراطية القسرية تواجه  الفشل في العراق

مضى عقد من الزمان منذ أن سقط النظام الديكتاتوري، ومازال الشعب العراقي عاجزا عن إيجاد مؤشر إيجابي لنجاح مشروع تغير النظام السياسي في البلاد. مع أن المؤسسات القمعية وأجهزة نشر الفكر الخاضع للنظام البعثي انهارت بالشكل، إلا أن المحرك الأساسي للنظام لا يقتصر على السجلات والتعليمات فحسب، بل إن طريقة تفكير المجتمع، كوحدة تصنع المستقبل، هي التي تختار النظام الحاكم. وعندما يخضع المجتمع إلى قرارات وسياسات النظام السياسي، فإن الأمر يخرج عن نطاق القبول ليتحول هذا الخضوع إلى المساندة والشراكة.
ما يحدث الآن، بعد مرور نحو عشرة أعوام من التحول الذي شهده العراق، يكشف كيف بدأت القوى التي عارضت نظام صدام بترجمة شعارتها البارزة التي تتمحور حول اختيار الفيدرالية كنظام لإدارة البلاد وتعزيز الديمقراطية وممارسة اللامركزية في الإدارات المحلية، إلا أنها في جوهر الأمر لا تمتلك مفتاح تشغيل محرك التحول الديمقراطي في مجتمع يبدو أنه غير مهيأ حتى اللحظة.لا شك  في أن هناك أسبابا تكمن وراء عدم استعداد المجتمع للتقدم، وبالتالي عجزه عن تهيئة مناخ مناسب للتنمية الاجتماعية والسياسية، لعل أهمها بقاء النسيج الاجتماعي قويا، محافظا على روابطه، متشابكا في تعقيداته. هذا النسيج يطبع حياة شعوب المنطقة ويجدد نفسه باستمرار وتورث جيناته من جيل إلى آخر، دون إجراء إصلاح جوهري يعطيه وجها جذابا في الخارج وقويا متماسكا في الداخل. النسيج ذاته أسهم بتشكيل ثقافة المجتمع وأعطى قوة ونفوذا لبسط قانون قوة الجماعة، العشيرة / العائلة، متغلبا على قانون قوة الفرد، أي قانون الطبيعة ،حيث الآخر كان أساسا للتقدم البشري.
لم يصدق أصحاب نظرية “أصالة الفرد” ذاتهم سرعة التقدم والنمو التي شهدتها كل من إيران و تركيا باتجاه تفكيك روابط النسيج العشائري والقبلي بعد وضع قوانين تفرض اختيار اللقب العائلي بدلا من لقب العائلة الكبيرة أو القبيلة كبداية لإضعاف السلطة العشائرية، وبداية لإطلاق تمرد اجتماعي. بهذه الخطوة التي أقدمت عليها الدولة في إيران البهلوية وتركيا الأتاتوركية، انقسمت سلطة العشيرة والقبيلة المتماثلة بوحدتها إزاء تحديات الحياة الحديثة إلى وحدات اصغر سميت بالعائلة، الأمر الذي ساعد تلك المجتمعات  الإفلات من طائلة القبيلة.
إثر هذه الخطوة، لم يعد على الإيرانيين والأتراك الخضوع لقرارات رؤساء القبائل، وأفرزت الإصلاحات حالة جديدة فرضت على العوائل الحديثة مسؤولية مختلفة وأعطتها فرصة ثمينة لتوسيع نطاق خياراتها وتقرير مصيرها بنفسها.
للأسف إن الدولة العربية في العراق والشام ومنطقة الخليج عجزت عن إجراء تلك الإصلاحات، لذا نرى كيف يتم إقصاء الدكتور إياد علاوي، زعيم القائمة العراقية، خارج مكونه المذهبي، إذ فشل بالحصول على منصب رئيس الوزراء المخصص للمكون الشيعي، حتى وإن حصلت قائمته الانتخابية على أكثرية الأصوات بين القوائم الانتخابية المنافسة في الانتخابات التشريعية عام 2010.
بمعزل عن المجتمعات العربية الأخرى، فإن المجتمع العراقي أثبت حتى الآن عجزه عن دعم مشروع النظام الديمقراطي ومبادئه المتمثلة بحكم الأكثرية، واللامركزية والتمثيل النسبي، والانتخاب، وفصل السلطات، وسيادة القانون، وتقسيم الصلاحيات.
يقوم النظام الديمقراطي على موالاة ومعارضة تحتكم إلى مطالب الجماهير والقواعد الشعبية التي تمثلها، إلا أن النظام العراقي مازالت الكلمة الفصل فيه لرؤساء الأحزاب القومية والمذهبية، والزعامات الدينية، ورؤساء القبائل والعشائر.
الدستور العراقي ينتهك باستمرار من قبل القوى، وهذا يعني أن المجتمع العراقي لم يستطع المحافظة والدفاع عن إرادته التي تمثلت بالتصويت وبالأكثرية على الدستور. بدوره يعجز مجلس النواب، على الرغم من امتلاكه سلطات واسعة ينص عليها الدستور، عن محاسبة المسؤولين لأنه يخضع لسلطة قادة الكتل. السلطة القضائية ليست أفضل حالا بعدما أصبحت تحت سيطرة الحكومة. وحتى المؤسسات الخاصة بحماية الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإقامة الانتخابات لم يحفظ ماء وجهها بسبب كثرة ملفات الفساد الخاصة بها.المؤشرات التي تحيل للتغيير الديمقراطي في العراق بعد سقوط الدكتاتورية وتبشر بحياة مزدهرة باتت ضعيفة جدا.
جاء الوقت الذي نذكر به الغرب، كصاحب لفكرة التدخل العسكري في العراق، بأن الديمقراطية القسرية من خلال تغيير الوجوه لم تعد تجدي نفعا في مجتمعاتنا، وكان الأفضل أن تبدأ بفرض التغيير من القاع بعد فشلها بفرضه من أعلى الهرم. من يدري؟ فربما هذا ما كان يريده الغرب أساساً: كسب الوقت. وفي هذه الحالة فإن على المجتمع العراقي أن يفكر مجدداً كي يجد طريقه بنفسه.

 طالب الدراسات العليا في العلوم السياسية بجامعة سنسناتي (الولايات المتحدة)

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top