تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
1-2
في السابع والعشرين من شهر نيسان مرّت ذكرى الشاعر المسرحي العظيم (وليام شكسبير) وكنت محظوظاً أن التقيه في عدد من مسرحياته ممثلاً ومخرجاً .
كان اللقاء الأول قد تم عام 1954 حينما شاركت بتمثيل إحدى شخصيات مسرحية (يوليوس قيصر) التي أخرجها الراحل (حقي الشبلي) لطلبة معهد الفنون الجميلة وكنت واحداً منهم، وأذكر أن (الشبلي) أضاف مشهد تتويج (اوكتافيوس) بعد مقتل القيصر (يوليوس) وذلك مجاملة منه للملك فيصل الثاني بمناسبة تتويجه.
وكان اللقاء الثاني قد تم عام 1964 حينما أخرجت لشكسبير مسرحيته (تاجر البندقية) وذلك للتذكير باغتصاب الأرض الفلسطينية من قبل الصهاينة وذلك بالتركيز على عنصرية المرابي اليهودي (شايلوك) وابتزازه. وحاولت في معالجتي الإخراجية أن أحقق الدقة التاريخية في المنظر والملبس حيث قام الفنان الراحل (كاظم حيدر) بتصميم المنظر وكانت الفنانة الإنكليزية (ترودمي متلمان) بتصميم الأزياء.
كان لقائي الثالث قد تم عام 1973 في مسرح بغداد حينما قدمت (هاملت) بعنوان (هاملت عربياً) وقد افترضت أن أحداثاً مماثلة لاحداث النص الشكسبيري قد حدثت في إحدى الإمارات العربية فحذفت أسماء الشخصيات وابقيت ألقابها (الملك ، الملكة، الأمير، الوزير، الخ) وهيأت مع المصمم الفنان (كاظم حيدر) ما يشير الى البيئة العربية البدوية (بيت الشعر ومحتوياته للمنظر وأزياء عربية قديمة) .
وكان قصدي من ذلك أن أمنح العمل خصوصية ، وقد تكررت مثل هذه الخصوصية عندما أخرجت ثلاث مسرحيات أخرى لشكسبير هي (حلم ليلة صيف) و(عطيل) و(ماكبث).
في (حلم ليلة صيف) تصورت أن أحداثها تقع في بلدة اندلسية على ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث تكون أشرعة السفن الراسية هناك اشبه بأشجار الغابة في مدينة أثينا اليونانية. وصممت الفنانة (هيفاء الحبيب) منظر المسرحية وصمم لي زوجها الفنان (فاروق حسن) أزياء المسرحية . (لا أدري أين هما الفنانان الآن) وكنت اعتقد أن (شكسبير) قد اقتبس حكاية المسرحية عن إحدى حكايات ألف ليلة وليلة كما فعل مع مسرحيته (عطيل) ولكن لم تسعفني المصادر في تأكيد ذلك الاقتباس.
أما اللقاء الخامس فقد حدث عام 1985 عندما مثلت دور (الملك لير) في المسرحية الشكسبيرية التي أخرجها (صلاح القصب) ويبدو لي أنني في ذلك العمل كنت قد تقمصت شخصية الملك العجوز (لير) الى درجة كاملة بحيث نسيت نفسي في بعض المشاهد وفي مشاهد أخرى حدث تغير واضح في صوتي مما أثار دهشة الممثلين الذين معي والجمهور الذين شاهدوني.
في اللقاء السادس وكما حدث في اللقاء الخامس قمت بإخراج (عطيل) واعطيت عنواناً جديداً للمسرحية هو (عطيل كما مثلها طباخو نوفوتيل) ومع طلبة معهد الفنون الجميلة، وسمي العرض الذي قدمته في كافيتيريا مسرح الرشيد الذي لم يتم تعميرها لحد اليوم. وكان ذلك قد تم عام 1996 وقد افترضت أن طباخي أحد المطاعم يقررون أن يمثلوا مسرحية (عطيل) في أوقات فراغهم، من العمل مستخدمين بيئة مسرحية جديدة هي المطعم والمطبخ وموجوداتها ذات اللونين (الأسود والأبيض) مثل (الشراشف والأواني والمناديل والقدور والخضراوات) وبدأت العرض بالمشهد الافتتاحي حيث يقوم (ياغو) بتقطيع الباذنجان الأسود ويقوم (رودريغو) بتقطيع البصل الأبيض تمهيداً لإعداد طبخة ضد (عطيل) وقد جفزني مقالة للاديب (مالك المطلبي) نشرها في إحدى الصحف عنوانها (عطيل الأسود الأبيض) يعني أن عطيل أسود البشرة أبيض النفس وياغو أبيض البشرة أسود القلب. وكان هناك محفزاً آخر هو مسرحية إنكليزية بعنوان (المطبخ) لكاتبها (ارنولد ويسكر) كنت قد شاهدتها في لندن وفيها حدث رئيسي يشابه ما في (عطيل) وبما يخص موضوعة التمييز العنصري.