تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
1-2
يعّرف (دليل أوكسفورد للمسرح) رقص الباليه بوصفه نوعاً من الاستعراض الدرامي ويُقدم الفعل فيه بالرقص وبالتمثيل الصامت ومرافقة الموسيقى . وقد نشأ هذا الفن بداية في فرنسا في القرن السابع عشر. علماً بأن هناك استعراضات راقصة شبيهة بالباليه قد ظهرت مثل ذلك التاريخ في العهد الاليزابثي والجاكوبي الإنكليزي وأثبتت بان الرقص جزء مهم من تسليات القصور الملكية وقصور النبلاء، وارتبط الرقص ذلك الوقت بالشعر والدراما وبعد ذلك انتقل الى الأوبرا عند ظهورها.
في أواسط القرن الثامن عشر تم إصلاح (الباليه) وتطويره وذلك بارساء قواعد ومبادئ له. وكان (خان جورج نوفير) هو أول من ساهم في ذلك التطوير وكان الرجوع الى الطبيعة والخصال الأبسط كما هو في الكلاسيكية التي من أولى مبادئها الاعتماد على ثقافات الأغريق والرومان.
وفي الناحية التطبيقية دعا (نوفير) الى تبسيط الأزياء الحركات والاهتمام بالتعبير عن المشاعر وسرد الحكاية بالاداء الصامت. وعلى الرغم من إصرار (نوفبر) على التوافق الدرامي في تصميم الرقصات أو ما يسمى (الكوريوغرافي (Choreography) فان خطوات الراقصين وحركتهم قد أصبحت من أعراف الباليه الكلاسيكي وتحت رعايته وتحت ابتكارات الراقصين أنفسهم.
قامتأ الثورة الفرنسية بتعجيل تحرير الراقصين من الأعراف القديمة واتجاه الفنانين الى اقتباس ثيماتهم وأزيائهم وحركاتهم مما عرفوه عن الموروث الكلاسيكي.
في بداية القرن التاسع عشر انتقلت القيادة المبدعة في فن الباليه كما في فن الاوبرا الى إيطاليا ولوحظ أن معظم الراقصين في الباليه الفرنسي كانوا إيطاليين وهكذا سادت الأساليب الإيطالية الموسيقية والدرامية في الباليه وبالأخص في مدينة ميلانو بعد أن توفرت فيها بنايات مسرحية كبيرة تصلح لتقديم الاستعراضات الواسعة ولتوفر عدد من المؤلفين الموسيقيين البارعين أمثال (فيردي) و(روسيني) وخلال ذلك القرن تعززت العناصر المكونة للباليه الرومانتيكية الموسيقية والدرامية.
وكانت باليه (جيزيل) لجان كورالي هي الأشهر في تلك المرحلة وعندما تحقق مركز فن الباليه كان من الطبيعي أن تأخذ الأعراف صيغ القوانين وهكذا أصبح ذلك الفن تقليدياً . وكان من نتائج ذلك التطور أن أصبح للراقص الذكر دور ثانوي في الباليه نسبة لدور الراقصة الانثى. وفي نهاية القرن اختفى الراقص الذكر في الباليه خصوصاً من باريس حتى أصبحت أدوار الرجال تمثل من قبل راقصات أناث وكانت باليه (الحسناء النائمة) التي ألف موسيقاها (جايكوفسكي) هي الأشهر.
خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر أنتقلت جاذبية فن الباليه من إيطاليا الى روسيا. ورغم أن التوجيه الفني للباليه الأمبراطوري في مدينة (سان بطرسبورغ) بيد الفنانين الأجانب إلا أن الراقصين أنفسهم هم من الروس ومن مصادر محلية وجلبوا معهم النشاط المثير للرقصات الفلاحية والتي ميّزت الباليه الروسي ومنها (بتروشكا) والرقصات في (الأمير أيغور) و(حكايات الأطفال).
ويذكر أن الباليه الروسي لم يهمش دور الراقصين الذكور كما حدث في الباليه الأوروبية وذلك لأن للراقصين الروس جذوراً في التراث المحلي. وفي أواخر القرن التاسع عشر قدمت فرقة الباليه الإمبراطوري الى العالم وبأدارة (بيتيبا) تلك الروائع أمثال (بحيرة البجع) و(بوريس ورمانت) وكان (جايكوفسكي) أعظم موسيقار يؤلف للباليه وكان يتلقى الإرشادات من مصممي الرقصات – الكوبوغراف.