TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دفتر بشير العبودي

دفتر بشير العبودي

نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 05:47 م

علاقة صداقتي مع بشير العبودي ابتدأت في أوائل السبعينات يوم كنا على أعتاب الدخول في العشرين من عمرنا. التقيته، لأول مرة، في مقهى "الأدب الشعبي" الذي أسسه نجفي من آل "أبو شبع". المقهى يقع عند فلكة البانزيخانة في منطقة الثورة داخل.
من لحظتها اكتشفت به ما يميزه عن غيره شعرا وسلوكا. قصيدة بشير كانت اقرب لقصيدة النثر. لم  يكن غيره يكتب بتلك الطريقة ولا اذكر أن شاعرا شعبيا قد سبقه لذلك. أما في سلوكه فقد كان محيرا. به من الرقة الروحية المنسجمة مع كونه شاعرا، وقسوة في ردود فعله تجاه مواقف أصدقائه حين لا تروق له. ازدواجية يسهل اكتشافها من قبل من يعاشره ولو لساعات قليلة. وان كانت الازدواجية "تشلع" القلب كما يقولون، إلا أني وجدت وقع ازدواجية بشير مختلفا على قلبي. ربما هي التي كانت سببا في جعله واحدا من بين أجمل أصدقائي من الشعراء الشعبيين وأحبهم إليّ!
البارحة وجدت نفسي مثل التاجر الذي إذا ألمت به الخسارات يفتش في أوراقه العتيقة، فصرت أبحث في أوراقي التي وزعتها في صناديق كارتونية غطاها الغبار بفعل السنين. رسائل وأقاصيص مقالات صحفية وبقايا تذاكر سفر وعنوانين وشخابيط بعضها يصعب عليّ فهمها رغم أني شخبطتها بيدي. كنت، كالعادة، أبحوشها ولا اعرف بالضبط ما الذي يدفعني لذلك. كل الذي اعرفه أن شيئا أشبه بالحنين قد حركني نحوها لا شعوريا. في واحد من تلك الصناديق لاح لي دفتر أزرق اللون من نوع "أبو المية". وعلى غلافه قرأت: "دفتر الجامعة .. إنتاج معمل بابل .. سعر المفرد 780 فلساً". فتحته وإذا به مجموعة شعرية بخط يد بشير عنوانها "مكاتيب".
ذكريات كثيرة أجج نارها هذا الدفتر الذي مر على احتفاظي به أكثر من ربع قرن إذ كان العبودي قد أرسله لي في أواسط العام 1987. فتحته من عند المنتصف وشممته بحرقة  وكأني ابحث فيه عن رائحة بشير الطيبة. ورائحة صديق الصبا، عند المنفي، تساوي رائحة وطن مفقود.
مررت على قصائده فاكتشفت أن للقصائد التي يكتبها الشاعر بخط يده طعما خاصا. طعم فيه شيء الحياة والدفء. شعرت في واحدة من قصائده كأنه يحدثني:
اذكروني العمر خلصان
ويزهي بشوك حبكم لو ذكرتوني
أحبابي ..  عشتوا بدمي واداري العين
بس بطيوفكم .. وبوحشة عيوني
على الله وما يخالف يالنسيتوني
 نعم  يا أبا أمير لقد صبت علينا الليالي مصائب ما كان لنا، نحن العزّل، غير أن نواجهها بحيلة النسيان. لكن النسيان يضعف ونعود نلوذ  بالذكريات إذا اشتد جور الليالي، وصارت كلما انتهت ليلة شدة جاءتنا أخرى بما هو أشد، مثل ما تشوف عيونك.
ها أنا أتذكرك وأتذكر أحلامنا يوم كنا نجوب بها شوارع بغداد نحملها صليبا لا على الأكتاف بل في القلوب. طويت دفترك ومكاتيبك مغنيا قولك:
الغربة نهر تعبان بجروحي
كلبي حجاية مسافر ..
هجرها الضوه محّارة على الشاطي
وأبد انت ولا رديت
حفرن ساجية بروحي مكاتيبك
وأبد انت ولا رديت.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. فاروق الشمري

    ايها العزيز... ياحبذا لو عملت على نشر هذه القصائد التي ربما فقدها صديقك هذا.. اما ما عشناه ونعيشه الان سبيه بماحمة كلكامش..تحياتي لك ايها العزيز

  2. الحارث العبودي

    بشير العبودي شاعر غنائي كتب اغنية ((شكد انت رائع سيدي)) لصدام حسين..أليس كذلك ياهاشم العقابي؟؟؟؟

  3. احد الشعراء

    اشهر الاغاني التي كتبت لصدام حسين كان شعراءها شيوعيون ومعارضون للنظام السابق اسالك ما الذي دعاهم للكتابة ولا تقل لي ان هناك من ضغط عليهم وكانت كتابتهم لهذه الاغاني بارادتهم وكانو يتدافعون للكتابة ومدح النظام ورئيسه السابق ولدي الاسماء للاغاني والشعراء وال

  4. سعاد الشاهين

    هناك اعداد كثيرة كتبت قصائد واغاني للنظا السابق واكثرعم من الشيوعيين والمعارضيين وكانو يتسابقون للاشتراك في المهرجانات الشعرية وكتابة الاغاني ولدي اسماء الشعراء واسماؤ الاغاني المشهورة فما الذي دعاهم للكتابة وهم يتناقضون مع فكر النظام السابق واذا كنت بحاج

  5. مثنى الزبيدي

    اخوان بس سؤال بدون زحمة شفت لقاء للشاعر بشير العبودي ومال بلقاء بانه هو الي كاتب اغنية صلاح عبد الغور ردت انساك بس هسه شفتها عل يوتيوب ولكن اسم غير شاعر موجود منوا عنده المعلومات الكافية لحل هذا اللغز؟ شكرا الكم اخوكم مثنى

  6. اياد محمد

    الحارث العب دي ....كل العراقيين كانوا مجندين قسرا للنظام ... الفنانون الرياضيون الطلبة الاطباء كلهم .. تخت وطئة الاجبار .... ولطالما تتذكر هذه الانشودة فانت موجود في نلك الحقبة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram