القسم الأول
"علمتني التجارب أن علينا تغيير أسلوب تفكيرنا بين الفينة والأخرى لتناسب اللحظة التي نعيشها" .. زها حديد
تبدو مقولتها الصلبة هذه شذرة أساسية في بناء شخصيتها العبقرية إذ لولا تطور زها حديد الفكري المتواتر بين برهة وأخرى ومثابرتها لتتواءم كل آونة مع اللحظة المتزامنة معها - لما تمكنت من تحقيق مشاريعها الأسطورية على أرض كوكبنا المحتشدة بالتحديات والعوائق ، حتى ليبدو التجدد والتغيير من أبرز ركائز شخصية زها حديد التي لا تتوقف أفكارها عند منحنى زمني أو أسلوب صياغة محدد أو رؤيا مستقرة فهي المتجددة المبتكرة التي توظف شطحات مخيلتها الابتكارية والرياضيات في صنع عالم ما بعد حداثي بهيئة مبانِ معاصرة وكلما غيرت أسلوب عملها ازدهرت مخيلتها وتجسدت أحلامها أشكالا عجائبية.
لو كتبت زها حديد الشعر فماذا ستكتب لنا ؟؟ أي ضرب من الانزياحات اللغوية ستقدم في قصيدتها الهندسية المنسابة والمعقدة و ما الذي ستقوله سيدة الأشكال الفضائية اللامألوفة والمتجاوزة ؟؟
حققت زها انسيابية الأشكال وأدمجتها بالطبيعة على نحو بالغ الغرابة في الهندسة ما بعد الحداثية وبالذات الأعمال التفكيكية التي تعمد الى تحطيم الشكل ونثر اجزائه على نحو تجريدي غامض بمنحنيات تخلت عن الاشكال المكعبة ، وتذكر زها حديد أن أستاذها " كولهاس" أحال التجريد الشكلي وانسيابيته والقدرة على الاستعانة بالمنحنيات إلى نمط الخط العربي وتجريداته إذ وجد ان زها وزملاءها العرب والإيرانيين الطلاب في قسم المعمار هم الأقدر على ابتكار المنحنيات في تصاميمهم وعزا ذلك الى تأثرهم بالخط العربي .
ترى من أين استلهمت شاعرة الهندسة سحر اعمالها الغرائبية وإحساسها بالفضاءات اللامحدودة ؟؟ أهي تجارب وخبرات الطفولة والتربية المستنيرة ؟؟ تعترف زها حديد بذلك وتشير إلى سنوات طفولتها وصباها في العراق فتقول "تلقيت تربية عصرية في العراق، واستفدت من تربية والديّ المستنيرة لي ودعمهما غير المشروط، كانا ملهمين كبيرين لي وعلمني تشجيعهما الثقة بإحساسي مهما كان غريبا"
هذه المبدعة التي رفعتها أعمالها المبهرة إلى مصاف أساطين العمارة المعاصرين لتنال على منجزاتها جائزة "بريتزكر " أرفع جوائز العمارة وتذكر مع أعلام العمارة العالميين، تأثرت كما تأثر جيلها- بأعمال "اوسكار نيمايير " المهندس البرازيلي واشهر معماريي العالم مبتكر مدينة برازيليا وشغفت بإحساسه الطاغي بالمساحات والفضاءات وألهمتها أعماله لتبتكر أسلوبها المعروف بانسيابية الأشكال مترسمة خطاه التعبيرية في التجديد المعماري إضافة إلى ما لدى زها حديد من ذخيرة بَصَرية اختزنتها ذاكرة طفولتها عندما اصطحبها والداها وهي ابنة سنوات ست الى معرض أقيم في بغداد - سنة 1956 لأعمال المعمار العالمي ( فرانك لويد رايت) فانبهرت بالتصاميم والصور الفوتوغرافية التي تجسد اعمال "رايت" وترسخ في أعماق وعيها الطفولي شغف شعري بجمال الأشكال الهندسية كما أنها لابد تأثرت على نحو لا واعِ بالشكل الهندسي للنخلة التي تخترق الفضاء بانسيابيتها ورشاقتها لتشكل كرة خضراء هندسية متكاملة وتندغم بالسحب والنجوم ، ولا تنكر زها حديد انبهارها في صباها المبكر خلال رحلات العطلات مع والديها بالمشهد الطبيعي لأهوار العراق وانسحارها بحركة الرمال وتمازجها مع المياه وتداخل الاثنين مع الحياة البرية النباتية والحيوانية المتواشجة مع الأفق والمندمجة مع البنايات والبشر في المشهد ذاته ،هذا العنصر المهم في موضوعة اندماج الطبيعة مع المشهد الحضري الذي غذى طفولتها بترابط العناصر واندماج المدينة العراقية بالبساتين والمزارع والأنهار وهو الذي وسم أعمالها بالانسيابية المتضافرة مع تعقيدات هندسية معاصرة .
زها حديد شاعرة العمارة التفكيكية وسيدة الابتكارات المدهشة
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
خالد السلطاني
شكرا جزيلا ، ايتها السيدة المحترمة، لهذا المقال الجميل عن زهاء وعمارتها المميزة. انه مقال ذكي وممتع وينقل لنا بصدق مقاربة زهاء المعمارية. شكرا مرة اخرى. استثمر هذه الكلمات لاضيف او بالاحرى لاصحح اسم المعمارة. ان اسمها الاصلي:زهاء، وعندما كتب بالانكليز
حيدر جمعة
شكرًا أستاذة لطيفة لهذا المقال الرائع عن سفيرة العراق في العلم أما ان الأوان للحكومة العراقية ان تكريمها او الاستفادة من خبرتها في بناء العراق