القسم الأول
1
يمثل المفكر الفرنسي أدغار موران والروائي الأرجنتيني أرنستو ساباتو قطبي تفكير متناقضين في منطلقاتهما ، لكنهما يلتقيان في نقطة تمس الوضع البشري ومآل الإنسانية في عصرنا ،يتساءل كل منهما عن المصير والمستقبل لإحداث رؤية مختلفة للعالم تؤشر مصير الهوية الإنسانية في مواجهة الأزمة الكوكبية .
لنتفحص بداية رؤية ساباتو.
يغادر أرنستو ساباتو الروائي والفيزيائي والمفكر موقع الروائي في كتابه ( الممانعة) مقترِحا نصوصا وأفكارا ترمي إلى ايقاظ البعد الانساني فينا ويخبرنا بوضوح أن شرط تلك اليقظة لا يتم الا اذا كنا نرغب حقا في حياة اخرى ممكنة ولدينا المحفزات الكافية لتغيير المسار وسط هذه الارض اليباب التي تحاصرنا سواء في بيوتنا او مدننا او مواقع عملنا او في مؤسسات الحكم التي تحاصرنا وتتحكم بالمصائر ،يقول ساباتو :
( فلنمنح انفسنا بعض الوقت، لنحلم بالرفعة التي يمكن أن نصبو اليها مرة أخرى إن نحن تجرأنا على النظر الى الحياة بطريقة مختلفة عن المألوف ) ، ما يدعونا اليه ساباتو هو المجازفة بأشياء كثيرة من أجل ان نعيد الينا البعد الانساني الحقيقي الذي افتقدناه وينعى علينا في عصر الهيمنة الكوكبية ، هذا التواصل التجريدي الذي يبعدنا عن جوهر الأمور معتقدا ان تواصلنا المجرد يدعنا نغوص في لامبالاة ميتافيزيقية جائحة، بينما هناك كيانات خاصة مشخصنة غير مرئية تحتكر السلطة وتنفينا عن واقعنا فيتساءل: هل يمضي الانسان في طريقه التراجيدي إلى خسران امكانية الحوار مع الآخر ؟؟جوابنا سيكون نعم ، ففي العالم الافتراضي تتوالد ملايين الأقنعة والأكاذيب والتوهمات والأخيلة الكاذبة والخداع، تفضي في معظمها إلى تقليص فرص التعرف الحق على عالمنا المحيط بنا فبين المسافات الحقيقية والسير في الطرقات وبين أحضان العالم الواقعي تحدث اللقاءات المباشرة ويتمكن الانسان من تأسيس رؤية عقلانية لواقعه ويمتلك امكانية عقد علاقات المحبة عبر الحوارات الدافئة المباشرة بين البشر ، وقد يظن المولعون بالفضاء الالكتروني انهم كائنات متصلة مع العالم كله بينما هم في الحقيقة معزولون عن انسانيتهم والجماعة البشرية ، يعقب ساباتو ( ان الجلوس امام شاشة التلفاز بانتظام يؤدي إلى تخدير الحساسية ويثبط الهمة العقلية ويحط ٌّمن قدر الروح الانسانية ) .
2
لا يمكن حسب ساباتو ان ينحني الانسان احتراما لمن يختلسون أموال الشعب المخصصة للتعليم والخدمات ويسرق آخرون صناديق مؤسسات المجتمع المدني ، لكن المشكلة تكمن كما يرى في الإعلام العولمي ، فالفضائيات تقدم اللصوص باحترام وتقدير وكأنهم أناس شرفاء يحتفي بهم مقدمو البرامج أمام انظار الملايين بخاصة الاطفال والمراهقين ممن تبهرهم الشهرة والشخصيات المتأنقة على الشاشة السحرية ، يرى ساباتو ان تقديم هؤلاء في الإعلام واعتبارهم شخصيات مهمة بمستوى الاقتداء والانبهار بدل معاقبتهم ( لمن اكبر الاعمال الاخلاقية المنحطة التي تسهم في جرح مشاعر الناس ) .
ويعزي ساباتو الى امثال هذا الأداء الاعلامي المزيف للحقائق مدى الإحباط الذي يصيب المجتمعات وهي تقف عاجزة وكأنها تتواطأ مع الانظمة التي تبيح سرقة حيوات البشر وأحلامهم فتجنح الى الخنوع والرضوخ أمام هؤلاء الذين يحتقرون القيم الانسانية ولا يعاقبون على جرائمهم وكنتيجة للصمت الموجع لابد ان يقود احساس المجتمعات بالإحباط والعجز الى تبني سلوك الكراهية والنقمة و العنف غالبا للرد على الموجة الجائحة المتمثلة بهيمنة اللصوص وسرقتهم مخصصات التعليم والعلاج و الإعمار والتنمية وتسببهم في الانحطاط الشامل للقيم في بلدانهم.
يتبع
هل فقدنا المستقبل حقا ؟؟سجال المصير بين أرنستو ساباتو وأدغار موران
[post-views]
نشر في: 20 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...