TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المواطنة و الثقافة-3 التعددية الثقافية من الأيديولوجيا المتصلبة إلى البراغماتية الناعمة

المواطنة و الثقافة-3 التعددية الثقافية من الأيديولوجيا المتصلبة إلى البراغماتية الناعمة

نشر في: 31 أغسطس, 2013: 10:01 م

لم تكن التداعيات التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وحدها سببا مباشرا لإعادة تأسيس مفهوم المواطنة على المستويين  القانوني و العملي فمهما بدت الحكومات  ليبرالية ومدفوعة الى نوع من المثالية المدعاة  لكنها تبقى  جهازا بيروقراطيا محكوما باشتراطات الواقع  التي  يتعذر  تجاوزها تحت دافع الاخلاقيات المجردة.
 تنادت  الحكومات الاوربية لمناقشة الموضوع  برؤية عملية تحت تأثير  متطلبات إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب ، فقامت بتيسير  متطلبات الاقامة و الهجرة  لصنفي العمالة و الكفاءات النادرة ، بسبب حاجة هذه الدول لاستدراج رؤوس الاموال و الاستثمارات الضخمة المطلوبة لإعادة البنى الأساسية في أوروبا وصار للجماعات القومية المهاجرة ثقل سكاني ضاغط لا يمكن تجاهله  في معادلة الحقوق و الواجبات التي تكفلها الدساتير فأقدمت هذه الدول على اعادة النظر في الفكر القانوني و الدستوري  لتعيد تشكيلهما  على نحو يتلاءم مع شروط احتكاك الثقافات المتعايشة .
  قد  يتبادر إلى أذهاننا  أن تلك الدول تسعى لمحو السمات  القومية من تراث المهاجرين بدعوى تشجيع عمليات الاندماج و تعزيز نموذج التعددية الثقافية التي تحقق  لها غايات براغماتية  لخدمة مصلحة الدول ذاتها، يمكننا القول هنا أن ذلك محض  إجراء  مدروس لتخفيف عوامل الاحتكاك والتنافر بين الثقافات السائدة في البلد الواحد  والتقريب بين ثقافات البلد  والثقافات الوافدة مما  يسهل عملية  التلاقح المنتج  بينها  وتعزيز عوامل الاستقرار لتحقيق مزيد من التطور الاقتصادي  و لم تكن محاولات تلك الحكومات  ناجحة غالبا في مسعى الاندماج   فها هي  المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل  تعلن  بوضوح مشوب باليأس : إن جهود عقود من عمليات الدمج قد باءت بفشل واضح ، و إن الحاجة تفرض علينا إعادة نظر شاملة في برنامج دعم التعددية الثقافية وهو البرنامج المساند  للاندماج و التواصل بين الثقافات.
 وأضيف هنا تجربتي الشخصية في دورة الاندماج التي طلب فيها المحاضر الفرنسي إلينا أن ندع في البيت ذاكرتنا وثقافاتنا وعاداتنا لنكون مواطنين قابلين  للاندماج في الشارع والعمل بمعنى ان نتخلى عن جانب أساسي من شخصياتنا في اندماجنا  القسري وهذا أحد اسباب الفشل الذي أشارت إليه المستشارة  ميركل .
   نعلم أن أية دولة بمواصفات قومية مرشحة  لتستحيل دولة شوفينية قامعة للأقليات أو حتى فاشية في حالات محددة  فيصبح لزاما  كبح جماح  النزعة الشوفينية  بأطياف وتلوينات ثقافية من خارج فضاء اللون الثقافي الواحد المهيمن  للقومية السائدة  ويبرز هناك جانب براغماتي  في نموذج  التعددية الثقافية يقوم على استغلال الإمكانات البشرية  للمكونات الثقافية المحلية أو المهاجرة لكبح انكفائها تحت  سطوة الحس القومي الأحادي ، كما أن  المشكلات الجدية المهددة للإنسانية لم تعد محلية الطابع ، بل كونية عابرة للحدود و ليس بإمكان أية دولة مواجهة هذه المشكلات منفردة ، لذا كان لزاما  تخفيف القيود القومية الدافعة للانكفاء و خلق الفرص الملائمة أمام عولمة ثقافية  تخدم  الجنس البشري و تناقض تأثير عولمة رأس المال المتوحش و الأسواق المالية المتغولة .
 وأخيرا سيبقى  الارهاب العالمي غالبا - المشكلة الأخطر  التي تواجه المجتمع العالمي و قد أظهرت الدراسات المعمقة أن مشكلة الارهابيين الدوليين هي مشكلة ثقافية متعددة الوجوه في الأساس ، تضخم  إحساسا طاغيا بالظلم وإقرارا بالتمييز وعدم إتاحة الفرص أمام المواهب الفردية الثمينة في بيئات منغلقة لا تحترم التعددية الثقافية ولا تتيح لجميع الإثنيات فرصا متكافئة  تضمن للأفراد مستقبلا جيدا بل إنها  تنتقص من حقوق مواطنتهم  وكرامتهم الانسانية     
يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram