TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المواطنة والثقافة ملامح من الوطنية العراقية: وطنيتنا الفولكلورية

المواطنة والثقافة ملامح من الوطنية العراقية: وطنيتنا الفولكلورية

نشر في: 7 سبتمبر, 2013: 10:01 م

قد  يبدو وصفنا  للوطنية العراقية  بكونها " افتراضية " وصفا قاسيا أو في أقل تقدير  يفتقد اللياقات المألوفة، غير ان هناك حقائق ملموسة  على الارض تنبؤنا أن وطنيتنا المفترضة هي في الغالب محض تمظهرات عاطفية  غير مستتبة ،وسلوكيات انفعالية موسمية  تبقى دونما  أسانيد  قانونية محكمة  كتلك السائدة في المجتمعات المتقدمة .
لنتأمل بعض سمات هذه الوطنية الافتراضية التي  يدعيها البعض جهلا  بها  او لغايات تخدم مصلحة الحاكم في كل عهد ، سنرى أن مظاهر الوطنية العراقية المفترضة غالبا  ما تسوّق اعلاميا  في  صيغ فولكلورية تنضح بالعاطفة الجارفة ذات التأثير اللحظي ويكون هذا الشكل الفلكلوري عادة مسندا بمؤشرات ايديولوجية ذات  إيحاءات  عنيفة سواء في الأداء السياسي  او السلوكيات القبلية ، فعندما تحاول  بعض وسائل الاعلام  عندنا  تأكيد اللحمة الوطنية  تعمد الى بث صور لمجموعات عشائرية تختلف أزياؤها وكوفياتها وطراز العقال وحجمه ، في اشارة واضحة الى مرجعية قبائلية و مناطقية محددة في مشهد  يفترض فيه    الافصاح عن تماسك وطني  حيث يتقافز الرجال مرددين  عبارات مبالغا في عاطفيتها وأهازيج  مشحونة بمفردات حب الوطن و التضحية في سبيله و بذل الدم من أجله ، بينما يتملك الهازجين والراقصين  شعور غامر بالتفوق و الغلبة العشائرية أو المناطقية مما يقصي أية  قيمة للوطن وسط الانفعال القبلي وتسويق مفهوم عنفي للوطنية محصور في فكرة الموت من اجل الوطن ، ويبدو  هذا الوطن  حالة وهمية  وسط التفاخر القبلي الذي يهدر رجاله –دون النساء -غالبا بمقولة  " نموت و يحيا الوطن " دون وعي بخطورة هذا الشعار الذي سيهبنا وطنا قاحلا مات ابناؤه وهدرت دماؤهم في حروب ومعارك اهلية طاحنة ليبقى الحاكم وسلطته وليس من مواطنين فاعلين يبتكرون صورا جديدة للحياة   ويؤسسون  مستقبلا مشرقا  للأجيال القادمة .
وأذكر هنا لقاء تلفزيونيا مع ضيفة هي أميرة  مفترضة  تدعي أنها من سلالة العائلة المالكة العراقية ،يسألها المحاور منطلقا من سطحية الأداء الاعلامي (هل أكلت كعك السيد يوما سمو الأميرة؟ و هل شربت شربت الحاج زبالة؟ )
ولتأكيد  مواطنيتها الفولكلورية  ،تقول الضيفة نعم و انها أكلت من بائع مأكولات على رصيف شارع العشار في مدينة البصرة منطلقة من النزعة  المسطحة عن فكرة المواطنة التي يروج لها الاداء الاعلامي المفتقر إلى الأسس الثقافية  الرصينة لفهم المواطنة.
يتكرر الحديث بمبالغات كبيرة عن أخوة وطنية  في الخطاب التسويقي للساسة  خلال الانتخابات فهو  حديث مجاني غير ملزم  يهدر بلا  حساب، سرعان ما يتحول بفعل  المحاصصة  التي أسقطت مفهوم المواطنة  الى منازعات سقيمة  في لحظة اقتسام المقاعد النيابية والمغانم وتقع الأقليات ضحية الصراع بين القوى المهيمنة فتتهاوى ادعاءات الساسة عن الاخوة الوطنية وحقوق المواطنين  وتتغالب الطوائف وتتصارع الكتل لقضم حصة أكبر من  خيرات هذا الوطن فيبقى مفهوم المواطنة شيئا عائما سواء في النص الدستوري او في الاجراءات  الواقعية على الأرض.
ربما تكون التظاهرات التي أطلق جذوتها الشباب و الناشطون المدنيون بداية جدية لتهشيم  الايقونة الفولكلورية عن الوطنية و تأسيسا جديدا لمواطنة قائمة على مدونة شرف من حقوق وواجبات معلومة  و ليس  محض نصوص دستورية عائمة يدوسها أمراء الطوائف في معظم الأحيان متجاوزين الدساتير  و إلزاماتها . لقد غيرت التظاهرات مفهوم المواطنة الرجراج  ونقلته  ببسالة المواطنين  من ظاهرة فولكلورية عاطفية  وموسمية تهزج لها الحشود أمام الحاكم الى مواطنة  تعرف حقوق الوطن والمواطن وواجبات الدولة  وتدعو لتحقيق العدالة للجميع .
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Falah Hekmat

    توصيف راق لمعضلتنا العراقية التي تنوء تحت أثقال دهور من أخفاء المشكلات بدل المكاشفة والتشخيص الدقيقين . ليس ثمة وطنية عراقية تحتكم الى مدونة شرف تنبع من قناعة شخصية ، بل محض هوسات و كلاوات عن اخوة افتراضية و ( أخوان سنة و شيعة ... هذا الوطن ما نبيعه ) ،

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram