الرئيسية > أعمدة واراء > المواطنة و الأخلاقيات المواطنة قيمة ثقافية و أخلاقية

المواطنة و الأخلاقيات المواطنة قيمة ثقافية و أخلاقية

نشر في: 14 سبتمبر, 2013: 10:01 م

تأسس العراق الحديث  وفق مقاسات صناعة بريطانية  كولونيالية تقاسمت تركة الدولة العثمانية  و ليس في ذلك ضير  فلطالما تشكلت دول  وفق  مقاييس قوى كولونيالية  و ترافق تأسيس العراق الحديث مع بروز معالم الدولة الحديثة : حكومة و جيش و برلمان  و دستور كتب عام 1925 علي يد المحامي الإنكليزي ( بونهام كارتر ) و هو أفضل  في كثير من فصوله  من دستور مليء بالثغرات  كتب أو أتى جاهزا  عام 2005 !   
وقد أشارت  تلك المقومات إلى وجود إمكانية  لنهضة علمية وزراعية وتعليمية وعمرانية مصحوبة بمعالم ليبرالية واضحة وإن كانت أشبه بجنين خديج ولد قبل أوانه ولاحت مؤشرات قيام  دولة على قاعدة (الامة – الدولة ) التي شاعت في اوربا القرن التاسع عشر غير أن صعود النزعة القومية المدعمة بحس ديني بدائي وطائفي أقصت وبددت  الخواص الثقافية الجامعة  للعراقيين وعملت على وأدها  في عمل تخريبي مدروس أشاع حالة من التغريب و الانفصام المرضي بينهم  فشاعت  العبثية و اللاجدوى  وانعدام  الحس بالمسؤولية مما أدى لظهور صراعات  طائفية وعرقية هي في حقيقتها  صراعات ذات جذر ثقافي ترافقت مع  نزعة إقصائية  عنيفة ثم  رسختها حقبة العسكر بكل حمولتها الثقيلة الوطأة لتطيح  بالبناء الليبرالي الهش في الدولة العراقية ولتدخل البلاد في  عتمة الصراعات الأعنف  فعانى العراقيون ضغوطا وانتهاكات  لينتهوا كائنات فصامية ذات نزوع مرضي يتخذ واحدا من شكلين : عدواني صارخ في عنفه و قسوته أو انكفائي يجنح الى الخنوع و التبلد  واللامبالاة  و في الحالتين تقطعت الروابط الحية التي  كانت تشد سكان هذه الارض الى جذورهم الحية  ونتج عن هذا الفعل التدميري أن استحالت المواطنة محض صفة شكلية  خائبة و غير فاعلة في المنظومة القيمية و الأخلاقية للفرد العراقي بعد ان ضاعت إمكانية الارتقاء بها من المستوى الحقوقي و القانوني الى مرتبة القيمة الأخلاقية الأعلى مقاما والأقوى تأثيرا على   المواطنين  مع انعدام إحساسهم بالمسؤولية.
 روى صديق  لي من المقربين  أن أباه الميكانيكي الذي كان يعمل في مصفى الدورة كان قد أوفد في سبعينات القرن العشرين إلى ألمانيا  في دورة لاكتساب الخبرات الحديثة و ذات يوم ارتاد اعضاء الوفد  مقهى وجلسوا يتفرجون على مشاهد المدينة النابضة بالصخب والحياة  و إذا بفتاة فارعة تمرق  أمامهم بسرعة وبعد ان سارت بضع خطوات توقفت وعادت  إذ  لفت نظرها وجود  ملصق ورقي  على حائط مبنى قريب من المقهى تدلت احدى زواياه  فانكفأ الملصق على الجدار ، أخرجت الفتاة علكة من فمها كانت تمضغها و وضعتها على زاوية الصورة  ثم أعادت لصقها على الحائط  وبعد أن تيقنت من استواء الصورة في حافتها العلوية  عاودت سيرها مغتبطة  فعلق  أحد اعضاء الوفد العراقي على المشهد بحسرة بالغة : هل يمكن أن يحدث هذا في العراق ؟ ولدينا امثلة كثيرة كهذا السلوك المسؤول، اخبرتني صديقة عراقية تقيم في نيويورك أن جارتها  الأمريكية  قدمت شكوى بحقها  لأن إحدى حنفيات شقة صديقتنا  تسرّب  قطرات ماء  طوال الليل والنهار ولم تكن تبالي بالأمر و تؤجل تصليحها  كعادتنا في اللامبالاة بالتفاصيل الصغيرة وإهمالها –  فأرغمتها الشرطة على دفع غرامة كبيرة لأنها أهدرت المال العام المتمثل  في الماء المتسرب مع إلزامها بتصليح  الحنفية ، أما في مجتمعاتنا  اللامبالية فإننا  نفتقد أخلاقيات المواطنة والإحساس بالمسؤولية إزاء خدمات الحياة المدنية والمال العام  فلا  تزال روح البدوي الغازي تتحكم  في لاوعي الكثيرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. نيران العبيدي

    علـم ودستور ومجلس أمة ...................... كل عن المعـنى الصحيح مُحرّفُ أسماءُ ليس لنا سوى ألفاظُها ...................... أمّـا معانيهـا فليست تُعرفُ من يقرأ الدستـورَ يعلم أنه ....................... وفقـاً لصكّ الاحتلال مصنّفُ من ينظرُ العلمَ المرفرف

يحدث الآن

صفقة مبكرة لحسم الحكومة القادمة قبل الانتخابات!

أزمة مجازر وضيق حظائر.. العراق يواجه شبح "النزفية"

السوداني يؤكد مضي العراق باتجاه تسليح قواته الجوية

مسؤولون أكراد: كردستان تحافظ على السلم وسط شرق أوسط مضطرب

العراق ويونامي يبحثان "انتقالاً سلساً" لمهام البعثة الأممية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

 علي حسين غاب البابا فرنسيس حاملاً معه أعلى مراتب الانسانية. ورث عن بلاده الارجنتين حب كرة القدم، والسعي لاشاعة السلام والمحبة بين الناس.. كلمة "الأمل" كانت آخر ما كتب البابا ونشرها قبل وفاته...
علي حسين

قناطر: عليك مني السلام يا أبا عبد الله

طالب عبد العزيز قد لا يُرى الضرر الذي يلحقه الفسادُ بالمواطن البسيط؛ لأنه خارج معادلة المليارات التي تسرق، والتي تضيع في المشاريع الوهمية، وهو(المواطن)قانع، راض، حامدٌ، شاكرٌ ما يتقاضاه من فتات مائدة الرعاية الاجتماعية،...
طالب عبد العزيز

كوب الفخار … وانكسار الذوق العراقي

أحمد حسن في مقهى صغير وسط مدينة فلورنسا الإيطالية، اسمه "بابليوني"، شدني مشهد بسيط لكن عميق الدلالة: أكواب القهوة مصنوعة من فخار يدوي الطابع، تعيدك في لحظة إلى بابل، إلى العراق. صاحب المقهى، كما...
أحمد حسن

القومية والثقافات الأخرى

محمد سلماوى من المؤسف أن المد القومى العربى الذى انتعش فى أواسط القرن العشرين عمل فى بعض الدول العربية على طمس الثقافات الأخرى فى تلك الدول التى كانت مصدر ثراء للحضارة العربية الكبرى التى...
محمد سلماوى
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram