الرئيسية > أعمدة واراء > "صباح الخير، منتصف الليل" الروائية جين ريز: كل الوقت للحب والكتابة

"صباح الخير، منتصف الليل" الروائية جين ريز: كل الوقت للحب والكتابة

نشر في: 21 سبتمبر, 2013: 10:01 م

كلما  تذكرت  رواية جين ريز  الحداثية   (  صباح الخير ، منتصف الليل)  أشم  رائحة الشقاء الأنثوي شبيهة  شذا الدفلى السامة  وأرى  عيني الكاتبة غارقتين بالأسى  والنظرة الضائعة  واستحضر مع صورها  السردية  المتقنة  أزقة  لندن  ولصوصها وغانياتها   وتتراءى أمامي مقهى  "دوم "  والشوارع الضاجة  في حي السان ميشيل  وأزقة  مونبارناس  وحاناتها وفنانو الشارع والنساء الضائعات .
تقول جين ريز في كتابها  ( ابتسم من فضلك )  كتاب سيرتها غير المكتملة :
"لن اكون أبدا جزءا  من أي شيء  ولن انتمي ابدا الى أي مكان و لطالما عرفت هذا   فمجمل حياتي كانت سعيا للانتماء  لكني  منيت بالفشل ، كان هناك  على الدوام أمر  ما  يجري بطريقة  خاطئة ،  أدركت انني غريبة في هذا العالم  وبعدها  لم أعد أعير الموضوع  اهتماما يذكر "  
جين ريز  روائية  برعت  في صوغ الأحداث الجريئة و تعرية الروح الانسانية السوداوية المتوجعة  من شراسة العالم وتكاد  " صباح الخير ، منتصف الليل" أن تكون  سيرة شخصية  مموهة  وهي تروي قصة امرأة لا تنتمي  لبلد او مجتمع  تتنقل بين لندن وباريس وتتأرجح أيامها على خيط  رهيف بين الحياة والموت ،هي ساشا  المتصعلكة  الجميلة ضئيلة الحجم  والمرأة  التي استغلها  الجميع  وخدعها من وثقت بهم  ثم اكتمل ضياعها  بعد  موت رضيعها الصغير  بين يديها ، امرأة  تهرب  من خياراتها الخاطئة  إلى دوامة  عالم  طاحن مغرٍ برجاله  المتأنقين  ومتعه العابرة  وأكاذيبه  التي تشكل هيكلية مدن الحضارة وأخلاقيات  عصر المال.
 جين ريز  كاتبة بريطانية منحدرة من أب ويلزي وأم خلاسية  اهتمت بالنساء الهامشيات المسحوقات في جحيم مجتمع رأسمالي لا يرحم ممن استغلهن المجتمع الذكوري أبشع استغلال  وبقدراتها الابداعية  ولغتها الساخنة اللامبالية  قدمت  لنا  اعمالا  روائية  مفعمة بالعاطفة والتفاصيل الساخنة والصور الانثوية  المنسوجة ببراعة  مع خيوط  الشبق  وأوجاع العوز والاستسلام  اليائس  للمصير الغامض .
  تميزت  أعمالها  بالدقة  الساحرة فهي  تقدم لنا أدق الانطباعات عبر نبرات أصوات شخصياتها وتعابيرهم ونمط ثيابهم وغالبا ما تلتقط ريز شخصيات رواياتها  من قاع المدينة  ويكشف ابطالها عن  افكار  فظة وتصرفات قاسية تشكل  بيئة حافلة بالتناقضات .    
يتميز أسلوبها في هذه الرواية بالانتقالات المفاجئة دونما روابط او تمهيدات منطقية بين العبارات في مسعى منها  لتقديم صورة حية لعالم مشتت وعشوائي، معتمدة على فطنة قارئها لفك الغاز عباراتها التي  تبدو مقحمة على سياق النص لتؤكد غرابة وقسوة تلك العوالم  التي  تنتجها النظم الاقتصادية والاجتماعية  .
 رواية  "صباح الخير ، منتصف الليل"  رواية  رشيقة  تبتكر الروائية  في سردها  فضاءات   متنوعة  وتبرع في تصوير أمكنة  ضياع  بطلتها بين المطاعم والفنادق  والحانات وعملها بائعة ملابس  أو موديلا أو عشيقة  لتاجر  يستغلها  وتقدم الروائية  كل ذلك  بأسلوب حداثي ساحر  ومتمرد  ليبقى صدى عباراتها يتردد في  ذهن قارئها حتى بعد انتهاء القراءة بزمن طويل .
تقول  بطلتها  ساشا  في روايتها "صباح الخير ،منتصف الليل"
 "ليس بوسعنا ان نكون سعداء جميعا، أو أن نكون  كلنا اغنياء أو محظوظين جميعا ،سيكون  الأمر أقل إمتاعا لو كنا كذلك ، لابد من  خلفية معتمة  لكي تبدو الالوان البراقة  أشد سطوعا"
 ناضلت ريز طويلا لأجل الحب والكتابة وقاومت الموت وهي تترنح بين حالتي الانهيار الجسدي والعقلي وكان عشقها الكبير للكتابة حافزها  ودافعها الوحيد  لمواصلة الحياة ، حتى نجحت في  فرض اسمها على الاوساط الادبية.  
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

صفقة مبكرة لحسم الحكومة القادمة قبل الانتخابات!

أزمة مجازر وضيق حظائر.. العراق يواجه شبح "النزفية"

السوداني يؤكد مضي العراق باتجاه تسليح قواته الجوية

مسؤولون أكراد: كردستان تحافظ على السلم وسط شرق أوسط مضطرب

العراق ويونامي يبحثان "انتقالاً سلساً" لمهام البعثة الأممية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

 علي حسين غاب البابا فرنسيس حاملاً معه أعلى مراتب الانسانية. ورث عن بلاده الارجنتين حب كرة القدم، والسعي لاشاعة السلام والمحبة بين الناس.. كلمة "الأمل" كانت آخر ما كتب البابا ونشرها قبل وفاته...
علي حسين

قناطر: عليك مني السلام يا أبا عبد الله

طالب عبد العزيز قد لا يُرى الضرر الذي يلحقه الفسادُ بالمواطن البسيط؛ لأنه خارج معادلة المليارات التي تسرق، والتي تضيع في المشاريع الوهمية، وهو(المواطن)قانع، راض، حامدٌ، شاكرٌ ما يتقاضاه من فتات مائدة الرعاية الاجتماعية،...
طالب عبد العزيز

كوب الفخار … وانكسار الذوق العراقي

أحمد حسن في مقهى صغير وسط مدينة فلورنسا الإيطالية، اسمه "بابليوني"، شدني مشهد بسيط لكن عميق الدلالة: أكواب القهوة مصنوعة من فخار يدوي الطابع، تعيدك في لحظة إلى بابل، إلى العراق. صاحب المقهى، كما...
أحمد حسن

القومية والثقافات الأخرى

محمد سلماوى من المؤسف أن المد القومى العربى الذى انتعش فى أواسط القرن العشرين عمل فى بعض الدول العربية على طمس الثقافات الأخرى فى تلك الدول التى كانت مصدر ثراء للحضارة العربية الكبرى التى...
محمد سلماوى
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram