كلما تذكرت رواية جين ريز الحداثية ( صباح الخير ، منتصف الليل) أشم رائحة الشقاء الأنثوي شبيهة شذا الدفلى السامة وأرى عيني الكاتبة غارقتين بالأسى والنظرة الضائعة واستحضر مع صورها السردية المتقنة أزقة لندن ولصوصها وغانياتها وتتراءى أمامي مقهى "دوم " والشوارع الضاجة في حي السان ميشيل وأزقة مونبارناس وحاناتها وفنانو الشارع والنساء الضائعات .
تقول جين ريز في كتابها ( ابتسم من فضلك ) كتاب سيرتها غير المكتملة :
"لن اكون أبدا جزءا من أي شيء ولن انتمي ابدا الى أي مكان و لطالما عرفت هذا فمجمل حياتي كانت سعيا للانتماء لكني منيت بالفشل ، كان هناك على الدوام أمر ما يجري بطريقة خاطئة ، أدركت انني غريبة في هذا العالم وبعدها لم أعد أعير الموضوع اهتماما يذكر "
جين ريز روائية برعت في صوغ الأحداث الجريئة و تعرية الروح الانسانية السوداوية المتوجعة من شراسة العالم وتكاد " صباح الخير ، منتصف الليل" أن تكون سيرة شخصية مموهة وهي تروي قصة امرأة لا تنتمي لبلد او مجتمع تتنقل بين لندن وباريس وتتأرجح أيامها على خيط رهيف بين الحياة والموت ،هي ساشا المتصعلكة الجميلة ضئيلة الحجم والمرأة التي استغلها الجميع وخدعها من وثقت بهم ثم اكتمل ضياعها بعد موت رضيعها الصغير بين يديها ، امرأة تهرب من خياراتها الخاطئة إلى دوامة عالم طاحن مغرٍ برجاله المتأنقين ومتعه العابرة وأكاذيبه التي تشكل هيكلية مدن الحضارة وأخلاقيات عصر المال.
جين ريز كاتبة بريطانية منحدرة من أب ويلزي وأم خلاسية اهتمت بالنساء الهامشيات المسحوقات في جحيم مجتمع رأسمالي لا يرحم ممن استغلهن المجتمع الذكوري أبشع استغلال وبقدراتها الابداعية ولغتها الساخنة اللامبالية قدمت لنا اعمالا روائية مفعمة بالعاطفة والتفاصيل الساخنة والصور الانثوية المنسوجة ببراعة مع خيوط الشبق وأوجاع العوز والاستسلام اليائس للمصير الغامض .
تميزت أعمالها بالدقة الساحرة فهي تقدم لنا أدق الانطباعات عبر نبرات أصوات شخصياتها وتعابيرهم ونمط ثيابهم وغالبا ما تلتقط ريز شخصيات رواياتها من قاع المدينة ويكشف ابطالها عن افكار فظة وتصرفات قاسية تشكل بيئة حافلة بالتناقضات .
يتميز أسلوبها في هذه الرواية بالانتقالات المفاجئة دونما روابط او تمهيدات منطقية بين العبارات في مسعى منها لتقديم صورة حية لعالم مشتت وعشوائي، معتمدة على فطنة قارئها لفك الغاز عباراتها التي تبدو مقحمة على سياق النص لتؤكد غرابة وقسوة تلك العوالم التي تنتجها النظم الاقتصادية والاجتماعية .
رواية "صباح الخير ، منتصف الليل" رواية رشيقة تبتكر الروائية في سردها فضاءات متنوعة وتبرع في تصوير أمكنة ضياع بطلتها بين المطاعم والفنادق والحانات وعملها بائعة ملابس أو موديلا أو عشيقة لتاجر يستغلها وتقدم الروائية كل ذلك بأسلوب حداثي ساحر ومتمرد ليبقى صدى عباراتها يتردد في ذهن قارئها حتى بعد انتهاء القراءة بزمن طويل .
تقول بطلتها ساشا في روايتها "صباح الخير ،منتصف الليل"
"ليس بوسعنا ان نكون سعداء جميعا، أو أن نكون كلنا اغنياء أو محظوظين جميعا ،سيكون الأمر أقل إمتاعا لو كنا كذلك ، لابد من خلفية معتمة لكي تبدو الالوان البراقة أشد سطوعا"
ناضلت ريز طويلا لأجل الحب والكتابة وقاومت الموت وهي تترنح بين حالتي الانهيار الجسدي والعقلي وكان عشقها الكبير للكتابة حافزها ودافعها الوحيد لمواصلة الحياة ، حتى نجحت في فرض اسمها على الاوساط الادبية.
يتبع
"صباح الخير، منتصف الليل" الروائية جين ريز: كل الوقت للحب والكتابة
[post-views]
نشر في: 21 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...