3
خلفية حياة جين ريز المثيرة ومزاجها العنيف المتقلب لعبا دورا كبيرا في إضفاء ذلك السحر الغامض على شخصيتها وإطلاق فتنتها مثل هالة أو شبكة وقع في حبائلها عشاق كثيرون كما وقعت هي في شراك رجال محتالين اقتحموا حياتها المضطربة وانعكس الأمران على مجمل أعمالها الأدبية ، ولدت جين في جزيرة الدومينيكان وسط مجتمع من السود والبيض ولم تجد نفسها مع أحد المجتمعين، سخر السود منها لأنها حفيدة أحد ملّاك الأراضي الاستعماريين وبسبب أمها الكريولية لم يتقبلها مجتمع البيض رغم مكانة والدها الطبيب فهربت إلى بريطانيا و صدمت برؤية كآبة لندن وفقرائها وعبّرت عن ذلك بقولها ( كأنني في احدى روايات ديكنز )عملت في لندن عضوة في كورس غنائي وأطلقت على نفسها اسم إيلا غري ثم عملت موديلا و انتمت إلى معهد الدراما وتركته قبل أن يعشقها رجل ثري وترحل معه للعيش في باريس ولتنغمس في مجتمع البوهيميين .
مرت جين ريز بتجارب حياتية متناقضة ولازمتها حالة نفسية تُعرف بكراهية الذات مع اشتداد الاكتئاب الذي كان يتناوب مع فترات النشاط الإبداعي لديها ،وأودعت سجن هولواي للنساء فترة اكتئابها الحاد لتخرج بتجربة خصبة عن شخصية المرأة المجنونة السجينة وتكتب روايتها ( بحر ساركاسو الواسع ) لتعيد بناء حياة مختلفة للزوجة المجنونة في رواية جين آير لأميلي برونتي ووظفت منطقة الكاريبي المحمومة النائية وأجواءها الوخمة وتاريخها المظلم لتفهم كيف وضعت برونتي بطلتها في غرفة مغلقة ليودي بها احتجازها إلى الجنون .
وغالبا ما تكررت في روايات جين ريز ثيمات ثابتة ،كالتفرقة العنصرية والنفاق والخيانة والجنون والخوف من سحر ( الفودو ) الذي يمارسه السود ولا تكاد تخلو رواية من رواياتها من نساء سوداوات و لدى قراءتنا لرواياتها تستغرقنا تخيلات مرتبطة بتفاصيل سيرتها الذاتية و تأخذنا بسحر سردها إلى وصف مبهر ودقيق للأماكن والأثاث وطرز الملابس والسلوك في قاع المدن الكبرى كباريس ولندن وفيينا ،ورغم كل هذه البراعة الإبداعية والموهبة اللامعة كانت جين ريز فريسة لخداع صديقاتها و أصدقائها وكأنها كانت تستمتع بوضع الضحية انتقاما من ذاتها الهشة ، فبعد فترة جدب إبداعي استمرت عشر سنوات عاشت فترة انكسار وإحباط وقصص زواج وحب غير متكافئة طلبت منها صديقتها الممثلة ( سلمى فان دياز) أن توافق على تقديم عرض مسرحي باستلهام روايتها ( صباح الخير ، منتصف الليل ) وبدا الأمر مثل شعاع أمل ينتشلها من حياتها المحطمة ثم أقنعتها سلمى ان تتنازل لها عن حقوق استغلال رواياتها في المسرح والسينما والتلفزيون واستغلتها بطريقة بشعة وقاسمتها عائدات أعمالها بينما كانت جين بحاجة إلى المال لتكمل كتابها ( بحر ساركاسو الواسع ).
كتب عنها الكاتب الناشر فورد مادوكس فورد الذي عاشت معه فترة من الزمن :
(وجدت جين ريز متعتها القصوى في الذكريات كما تفعل أية امرأة مسنة ، كان عقلها مشتتا بين الذاكرة والخيال ، ولطالما استحوذت الأمكنة لا الناس على اهتمامها )
كان الموت شاغلها فقاومته باغتراف جامح لمباهج الحياة ، تقول ريز في مقالة لها "خططت كي أموت في الثلاثين ثم غيرت الموعد ليكون في الأربعين ومن ثم دفعته عشرا لأموت في الخمسين ، لكننا دائما نرجئ موضوع الموت ثم نواصل الحياة ونمضي قدما " وتوفيت جين ريز وحيدة سنة 1979 في دار رعاية قبل عيد ميلادها السابع والثمانين بأيام.
جين ريز البوهيمية: أمجاد وعشاق وموت في عزلة..
[post-views]
نشر في: 5 أكتوبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...