(2)
يقدم الروائي الإندونيسي البارز بوتو ويجايا في أعماله الروائية والقصصية والمسرحية نظرته الإنسانية المعاصرة ويحدد مواقفه من الاستبداد والظلم والحروب في قصص مشوقة وروايات تصور أثر ذلك على المجتمع الاندونيسي وتركيبته الفسيفسائية وبخاصة في إقليم بالي الذي كان يتقدم في مدارج التحولات الاجتماعية الهامة ، ولد بوتو في جزيرة بالي وهو الأصغر بين ثمانية إخوة وعاش كما يعيش القبليون في مجمع سكني يضم نحو مئتي شخص ينتمون جميعا للأسرة الممتدة ذاتها ، وكان شغوفا بالقراءة، فتعلم الكثير من الأسرة الإنسانية الكبرى ومبدعي العالم وحين كان في المرحلة الثانوية سحرته مسرحيات ( أنطون تشيخوف ) و( وليم شكسبير) ، وبينما كان والده يأمل أن يصبح بوتو طبيبا كان بوتو لا يطيق العلوم الطبيعية بل استهوته اللغة و الآداب والتاريخ والجغرافيا ، وعندما كان صبيا كان يتسلل من البيت لمشاهدة عروض الدراما التقليدية الراقصة المسماة (وايانغ ). ثم اختار أن يدرس في أكاديمية الفنون والسينما وقدم أعمالا درامية نالت أرفع الجوائز وهو بعد في المرحلة الجامعية..
أعلن بوتو مواقفه المناهضة للحروب في معظم أعماله المسرحية والروائية وصرح عند عرض مسرحيته ( نظرية الصفر )في براغ عاصمة الجيك ( أننا في لحظة الصفر نقف جنبا إلى جنب ونساعد بعضنا لجعل وطننا وعالمنا أفضل من ذي قبل ، وأتمنى أن يعيد قادة العالم النظر في مواقفهم ليصطفوا معنا عند نقطة الصفر ) ، ثابر بوتو طوال أربعين عاما على إغناء الثقافة الاندونيسية بنتاجه المسرحي ورواياته وقصصه ومقالاته واحتل مقدمة المشهد الأدبي بين أقرانه ، مؤكدا على التحديث ومغادرة القيم البالية في المجتمع الاندونيسي ، ويلتقي في هذا المسعى الجوهري مع أدباء الجيل الجديد المتمردين على المحظورات ممن واجهوا استبداد عهد الرئيس ( سوهارتو ) سواء بالكتابة الروائية أو تحطيم الصور النمطية لعلاقة النساء بالرجال في المجتمع المتشدد ، وتبرز إلى جانبه الروائية الشابة ( آيو اوتامي 1968) التي درست اللغة الروسية وتنقلت في عملها بين المجلات النسوية والفكاهية وأسهمت بعد سقوط سوهارتو في الصحافة المستقلة وشاركت في الحركات الشبابية المناهضة للحظر والتحريم ، كما أسهمت في الكتاب الأسود الذي فضح فساد عهد سوهارتو، وحصلت روايتها الشهيرة ( سامان) الصادرة 1998على جائزة مجلس جاكارتا للفنون والآداب ، مما أثار حساسية وجدلا في الأوساط الأدبية والمحافظة ،فهي الرواية الأولى لكاتبتها و ركزت فيها على نضال راهب اندونيسي إلى جانب المزارعين الفقراء في غابات سومطرة من الذين استولى ائتلاف المزارعين الكبار بالقوة على أراضيهم ،فيحاوره رئيس بعثة تبشيرية ألمانية ليثنيه عن موقفه ويدعوه للاهتمام بواجبه الديني وبهذا يدعم الفقراء ، لكن الراهب يرد: لا أستطيع النوم والصمت فأنا أشعر بالخطيئة عندما أصلي وأدع الفقراء يعانون وحدهم) . كان وقوفه في وجه المؤسسات الكبيرة التي سببت انهيار اقتصاد البلاد محرضا له ليقدم مشاريع صغيرة تعين الفقراء على تخطي الكارثة ويواجه معهم قوات الجيش التي أحرقت القرية وساندت اغتصاب الأثرياء لأراضيهم . حققت رواية سامان أعلى المبيعات لفضحها مساندة الجيش للفساد إلى جانب كشفها العلاقات الجنسية الصريحة ، مما أدى بالمحافظين إلى حظر قراءة أعمال الكاتبة على النساء ،ولم تتوقف آيو بل أصدرت روايات ومجاميع قصصية عديدة، ونالت جائزة مؤسسة ( الأمير كلاوس) الهولندية وجوائز محلية أخرى وهي الناشطة المعارضة التي تعمل في إذاعة إندونيسية كبرى وتواصل الكتابة في الصحيفة الثقافية اليومية ( كلام ) .