TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الاعلانات الانتخابية: تكشف التوجهات الثقافية والاجتماعية

الاعلانات الانتخابية: تكشف التوجهات الثقافية والاجتماعية

نشر في: 16 مارس, 2013: 09:01 م

تعكس  الاعلانات الانتخابية في بلدان العالم   ثقافة المرشحين والاتجاهات المجتمعية والثقافية  السائدة ، و تكشف  عن الخطط المستقبلية للقوى المتنافسة وبرامجها   لتطوير المجتمع  وتحديد السياسات الاقتصادية والثقافية والعلمية ومعالجة  قضايا  النساء والأطفال والصحة والتعليم .
كنت في باريس اثناء الانتخابات الفرنسية واشتدت المنافسة بين الاحزاب اليمينية والاشتراكيين  والحزب الشيوعي في المناظرات  المتلفزة  وبقي الترويج بالملصقات  محصورا في مواقع محددة من فضاءات المدينة ، فهناك  لوحات اعلانات  عند نواصي  الشوارع  ومثلها عند مداخل محطات المترو – تتسع لصور  المتنافسين  فيتجاور اليميني المتطرف مع الاشتراكي على اللوحة  وكانت  صور المرشحين والمرشحات غاية في أناقة  التصميم  وبساطته  وذكائه و تولته  مؤسسات اعلان  احترافية يشرف عليها فنانون  متخصصون ، وكانت  الملصقات   ببساطتها  وصغرها تكشف  عن أبعاد شخصية المرشحة أو المرشح  من قوة  نظرته وملامحه واتزانه وثقافته وتوصيف  برنامجه بعبارات برقية  موجزة ، ولم يكن  بوسع رئيس الجمهورية نفسه  أو رئيس الحزب الحاكم ان يضع دعايته على أعمدة النور  أو مداخل المباني فيشوِّه  الفضاء العام لمدينة هي ملك  جميع المواطنين والتجاوز عليها  انتهاك  لحقوق وحريات البشر.
 أما عندنا  فقد أعلنت الحرب  الدعائية بضراوة ليس عبر البرامج  المستقبلية  الجريئة التي يعلنها  المرشحون كإيجاد حلول لتشرد الاطفال وتسوّل النساء وبطالة الشباب ، بل في الاعتداء على الفضاءات العامة واحتلالها ، حرب تدار  ببدائية  ولا تعبأ بحاجات الجماهير الحقيقية  وتجري معاركها في شوارع وساحات المدن  وفوق الجسور وأعمدة الكهرباء  والأفق الذي كان ولا يزال  ضحية   لدخان العوادم وصور العمائم  والمنشورات الطائفية .
 تُرى  كيف يقتنع  الناخبون بهذا  الأداء  الذي  يستخف بعقولهم و ذائقتهم   و يستعطف  اصواتهم  بشعارات  دينية او عشائرية  من اجل  الفوز بأصواتهم   فينفق بعض المرشحين بسخاء قبلي استعراضي  لإغراء  الناخبين فيقيم المآدب ويقدم الهدايا والأموال  - ويقصفهم بإعلانات  و ملصقات بشعة  يُثير  بعضها  النفور   والسخرية بدل اقناعهم ببرامج  تحسّن  حياتهم ، وتعزى بشاعة الاعلانات وفوضاها  عندنا  أنها تمتثل  لرغبات  المرشحين الذين  يفرضون ذائقتهم  ومواقفهم  الاجتماعية  على الاعلان، فالمرشحة اللامرئية  تضع صورة زوجها  لتعرِّف نفسها  بوليّ امرها وتثبت إمحاء وجودها وتدني  موقعها الاجتماعي  فهي لا تملك من أمرها شيئاً ، مجرد أنثى  قاصرة في نظر نفسها فكيف يولي الناخب ثقته بمن لا تثق بشخصيتها وتثبت تبعيتها  علانية للآخر ؟ و كيف يصدق  أنها ستدافع عن حقوق ناخبيها وناخباتها وتنجز وعودها الانتخابية ؟ كيف للمواطن الطامح الى العدالة  والخدمات  وحماية  الحريات  الشخصية وتطوير التعليم   و إعمار المدن  وبناء المدارس؟ وكيف له أن يثق  بشبح  امرأة منقوصة الأهلية  تضع  صورة رجل  لأنها  ترى نفسها عورة معيبة ؟!
 اعلانات انتخابات مجالس المحافظات التي غزت العراق كشفت  عن مظاهر تصلح كمؤشرات لدراسة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لبعض الطامحين والطامحات الى الشهرة  السياسية والثراء  العاجل من دون برامج معلنة ، كما كشفت عن استمرار هيمنة ثقافة  الاستقطابات  الدينية والعشائرية  والطائفية التي  تستخدم  فيها  وسائل الرشوة  والتهديد والفتوى فنزول قائمة نسوية في  البصرة له دلالات متناقضة  فقد عــدَّه البعض  رداً على الإقصاء الدائم الذي تتعرض له النساء على الصعيد  السياسي المتزمت،  إنما بتفحص موضوعي   يمكننا  عــدّه تكريساً للفصل الحاد بين الرجال والنساء  في مجتمع تتراجع فيه مكانة المرأة وتعزل عن  الفضاء الإجتماعي  تحت ضغوط  أيدلوجيات الحظر والتحريم بينما نتوق جميعا  لظهور المرأة بكامل قوتها وكفاءتها  كشريكة في اتخاذ القرار  وتقاسم المسؤولية  من دون انصياع  لثقافة الوصاية الذكورية عليها ، لعل مجتمعنا يشفى من عوقه الفادح.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram