تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
وضع المسرحي العراقي المغترب في أميركا النقاط على الحروف وشَخَصَ تشخيصاً ساخراً طبيعة المسرحيات الجادة التي يقدمها المخرجون العراقيون الجُدد. ويطرح أثني عشرة لازمة من لوازم التجريب في العرض المسرحي كما يعتقدون وهي (1) استخدام الدخان الاصطناعي بدون مبرر (2) عدم استعمال مناظر حقيقية بل مجرد مفردات ديكورية (3) استخدام أشعة ضوئية ملونة بلا تبرير أيضاً. (4) الممثلون يوجهون خطابهم إلى الجمهور وليس إلى الممثلين الذين معهم على المسرح. (5) عدم وضوح في إلقاء الحوار حيث الضعف في مخارج الحروف. (6) يتحرك الممثلون عشوائياً . (7) نصوص مسرحية تفتقر إلى أبسط قواعد الدراما وأساليبها المختلفة. (8) اطلاق شعارات بمناسبة وبدون مناسبة لغرض استجداء التصفيق. (9) لا تمييز بين الشخصيات الدرامية من حيث الأبعاد العضوية والاجتماعية والنفسية. (10) يتكون الجمهور من أقارب وأصدقاء المخرج والممثلين والعاملين الآخرين . (11) الأزياء لا تمثل طبيعة الشخصيات وانتماءاتهم. (12) ما يكتب من نقد لهذه المسرحية أو تلك مليء بالجمل والكلمات الطنانة الرنانة سواء كانت مدحاً أو قدحاً .
وأضيف بأن جميع المسرحيات التي قدمت في مسارح بغداد أو في مسارح المحافظات لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة، مع العلم أن المسارح في باقي أنحاء العالم تعرض مسرحيات تستغرق ساعتين أو أكثر البعض منهم أخذ يكثر من الصور المنعكسة على الشاشات الخلفية معتقدين أنهم يجددون ، ويسمونها (داتاشو) ولا يعرفون معناها. ومنهم من يلجأ إلى الرقص الدرامي ويسمونه (كيروغراف) وهي تسمية خاطئة والصحيحة هي (كوريوغراف).
هناك مسرحيات شاركت في مهرجانات عربية أو دولية ولم يستغرق (التمرين عليها سوى أيام معدودات) وربما ساعات.
يا له من استسهال؟!
مثل هذا الخلل في العمل المسرحي لا يحدث في مسرحنا فقط بل يحدث أيضاً في مسارح عربية أخرى ، إذ يعتقد المخرجون الجدد أنهم يجددون أو ربما يجربون وهمّهم الأول والأخير هو المشاركة في هذا المهرجان أو ذاك ولذلك تراهم يختارون نصوصاً مسرحية فيها عدد قليل من الشخصيات لكي تسهل مشاركتهم. وأظن أن عدداً من مخرجي هذا الزمن بحاجة ماسة إلى الثقافة العامة وإلى الثقافة الخاصة وهم يعتمدون فقط على موهبتهم أو خيالهم وأرهاصاتهم ونزواتهم ولذلك نرى الجمهور المسرحي المتذوق قد انحسر وعندما نذكرهم بأعمال المخرجين الرواد والأوائل الكبيرة ومقارنتها بأعمالهم المنتشرة يحتجون غاضبين ويقولون إن ذلك من الماضي وقد ولىّ ولا يريدون أن يتقبلوا فكرة أن الأعمال الفنية الباهرة تبقى في الذاكرة على الدوام. ومنها نتعلم وبها نتمتع وبروعتها نُدهش وإلا هل ينكر أحد مّنا عظمة أعمال (اسخيلوس وسوفوكليس وارستوفانيس وراسين وشيللر وشكسبير وبيرانديللو ولبريخت وبيسكاتور وبيتر فايس وارثر ميللر ويوجين أونيل وحتى أحمد شوقي وعلي أحمد باكثير وستانسلافسكي وما يرهولد وتايروف وفاختانكوف وغروتوفسكي).