اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كشخة الحاكم

كشخة الحاكم

نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 06:03 م

طريقة التصرف بالأموال الشخصية والثروات العامة تكشف  عن عقلية صاحبها. من بين ما يرويه العراقيون للتندر أن الفلاح لو صار لديه مال أو تحسنت أحواله سيتزوج امرأة ثانية أو يشتري مسدسا. يكشخ. إنها إشارة إلى ضعف استخدام العقل أو غيابه.

والحاكم الذي لا يمتلك عقلا سليما أو ضميرا حيا لا يشذ عن تلك القاعدة. فحين يرى خزينة البلد قد امتلأت بالمال الوفير ينفقها على "كشخته". و "كشخة" الحاكم قد تشابه "كشخة" الفلاح من حيث الدوافع إلا أنهما تختلفان في العواقب والنتائج. فالفلاح  قد يلحق ضررا بنفسه أو عائلته فقط. أما الحاكم فقد تؤدي "كشخته" إلى دمار بلد.

ذات ظهيرة من أيام الجُمع جلست مع الشاعر زامل سعيد فتاح بمقهى في ساحة الشهداء ببغداد. كانت الشاشة تبث استعراضا عسكريا بحضور صدام وقد ارتدى بدلته العسكرية ولف رأسه بيشماغ مرقط بالأحمر. طغى الحزن على وجه زامل وقرر على الفور أن نترك المقهى لنتمشى صوب شارع المتنبي أو أي شارع آخر. سألته: ما الذي كدّرك؟ هذا الزعطوط. مَن؟ صدام. ما به؟ أما لاحظت غطرسته؟ يمعود هذا يحب الكشخة. أجابني :إن كشخة الطاغية غطرسة يا صاحبي، وبدايتها التلذذ بامتلاك الأسلحة الفخمة. وحين صرنا على منتصف الجسر لنعبر صوب الرصافة قال لي: تشوف بغداد شكد حلوة؟ نعم حلوة.  اتفل بوجهي إذا مو هاي الغطرسة راح تدمر بغداد. وصدق زامل رحمه الله.

اليوم، وأنا أتابع فرح البعض بنجاح شراء صفقة الأسلحة الروسية، استعدت كلام زامل ومخاوفه. لاحت لي أكوام سكراب الأسلحة المحطمة التي خلفتها خسائر صدام بعد غزوه الكويت إلى اليوم. آلاف الأطنان من الحديد الخردة دفع البلد من أجلها أتلالا من الأجساد وأنهارا من الدماء وجبالا من الأموال. من أجلها وبسببها ترملت نساء وتيتم أطفال وتغير لون الحياة إلى أسود وعمّ الجهل والفقر بعد أن صار الدينار لا يعادل ثمن ورق طباعته. أليس في ذلك درس بليغ يا أولي الألباب؟

إن الفرح بشراء السلاح، والعراقيون يعانون غياب الخدمات وانتشار البطالة وتناثر الأزبال بالشوارع وفي الأحياء السكنية ورداءة البنايات المدرسية وانتشار المستنقعات في مدن كانت زاهية، ما هو إلا نفاق وضحك على عقول الناس. إن ما سندفعه لروسيا، نقدا وليس بالآجل، لإنقاذ اقتصادها ودعم موقفها المساند للنظام السوري يعادل 150 دولارا لكل فرد عراقي وليس لكل عائلة. كم من البنى التحتية يمكن  للدولة  أن توفرها  لمواطنيها بهذا المبلغ؟

ولمن يحاول استغفالنا بحجة أن البلد يعاني من عمليات إرهابية، أقول إن الإرهاب لا يحارب بطائرات الميغ والسوخوي  أو الفانتوم. ولو كان كذلك فأمريكا تمتلك اكبر ترسانة للطائرات بالعالم ولديها سلاح نووي. مع ذلك ضربها الإرهاب في قعر دارها. محاربة الإرهاب تحتاج إلى عمل استخباراتي والى قادة محترفين بشؤون مكافحته والى ضمائر حية تقضي على بؤر الفساد التي تحتضنه وتمده بأسباب الاستمرار.

ومهما تشطّر الحاكم في إخفاء نواياه وفي تبرير سعيه لشراء السلاح يظل "تسلح الدولة يكمن في طياته سوء نية" كما قال الفيلسوف الألماني نيتشه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خالد شفيق ال نعمة

    لاحياء لمن تنادي الم يكن الاجدر برئيس الوزراءوبرلماننا صرف هذه المبالغ الخيالية الى بناءالمؤسسات التعلمية و الخدميةومحاربة الفساد والمفسدين وسراق المال العام من خلال استقدام الخبراءالاجانب من دول مشهود لها واستقطاب الكفااءت العراقية بدون محسوبية وفسا

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram